في طريق المجزرة
مَدِينَةٌ تَتَكَسَّرُ عَلَى أَرْصِفَتِهَا الْحَقَائِقُ،
يَمْشِي اللَّيْلُ بِوَجْهِ مُطْفَأٍ،
وَتُلَوِّحُ الأَرْصِفَةُ لِظِلَالٍ فَقَدَتْ أَسْمَاءَهَا،
وَتَنَاثَرَتْ بَيْنَ دَكَاكِينٍ لَا تَعْرِفُ الْفَرْقَ
بَيْنَ السِّلْعَةِ وَالإِنْسَانِ.
تُفْتَحُ أَبْوَابٌ تَسْكُنُهَا أَنْفَاسٌ خَائِفَةٌ،
وَتَنْتَشِرُ فِي الأَزِقَّةِ رَائِحَةُ أَسْوَاقٍ
رَوَّجَتْ لَهَا أَيْدٍ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدَّنَسِ،
فَصَارَتِ الأَجْسَادُ تُعْرَضُ كَمَا تُعْرَضُ
فَخِذُ البَقَرِ فِي يَدِ الْقَصَّابِ،
وَتُعَلَّقُ أَقْنِعَةُ الْقَسْوَةِ عَلَى وُجُوهٍ
فَقَدَتِ القُدْرَةَ عَلَى الرَّفْضِ.
يَا لِلزُّهُورِ الَّتِي وُلِدَتْ نَدِيَّةً،
كَيْفَ تُبَاعُ فِي مُسْتَنْقَعٍ يَبْتَلِعُ الضَّوْءَ
وَيَكْسِرُ رَائِحَةَ الرَّبِيعِ؟
كَيْفَ تُسَاقُ الْوُرْدَاتُ إِلَى هَاوِيَةٍ لَا قَرَارَ لَهَا،
يُجَرَّدُ فِيهَا الْحُلْمُ مِنْ أَجْنِحَتِهِ،
وَتُشْنَقُ الْبَرَاءَةُ بِخَيْطٍ مِنَ الْجُوعِ؟
تَرْتَجِفُ الْأَزِقَّةُ تَحْتَ خُطًى تَائِهَةٍ،
وَيُسْرِفُ اللَّيْلُ فِي كَسْرِ صَمْتٍ أَبَدِيٍّ،
تَنْثَنِي الْجُدْرَانُ وَتَحْمِلُ عَلَيْهَا أَحْزَانَ الْمَدِينَةِ،
وَيَبْتَلِعُ الْوَرْدُ فِي فَرَاغٍ كَسَكَنٍ مُظْلِمٍ.
وَيَنْحَدِرُ الْبُؤْسُ إِلَى طَرِيقٍ مُعَتَّقٍ،
تَتَسَاقَطُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ كَأَنْفَاسٍ مَخْنُوقَةٍ،
وَيَبْقَى طَرِيقُ الْمَجْزَرَةِ غَارِقًا
فِي خُطُوَاتٍ تَجُرُّ الْمَصِيرَ إِلَى الذَّبْحِ،
وَيَرْتَعِشُ صَدَى النِّدَاءِ فِي جُدْرَانِهَا
كَأَنَّهُ صَوْتُ بَرَاءَةٍ ضَلَّتْ طَرِيقَ الرَّجْعَةِ.
تَتَدَفَّقُ الرِّيَاحُ كَصَدَى أَسْئِلَةٍ ضَائِعَةٍ،
وَيَرْسُمُ الظَّلَامُ لَوْحَةَ الْبُؤْسِ وَالْعَوْزِ،
وَتَسْتَقْبِلُ الأَرْصِفَةُ
فَتَاتَ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ الْمَسْحُوقَةِ،
وَيَبْقَى الْهَوَاءُ مُثَقَّلًا بِرَائِحَةِ الْأَنِينِ،
فَيَتَحَوَّلُ الْوَرْدُ إِلَى صَمْتٍ يَتَمَزَّقُ فِي اللَّيْلِ.
لَمْ يَعْتَنِ بِهَا أَحَدٌ، فَتَفَرَّدَ الأَلَمُ بِهَا،
تَتَعَثَّرُ السَّاحَاتُ بِصُرَاخِ أَيْدٍ مَكْسُورَةٍ،
وَيَهْرَبُ الضَّوْءُ مِنْ نَظَرَاتٍ أَعْيَتْهَا
حِيَلُ الْبَشَرِ وَمَتَاجِرُ الطَّمَعِ،
وَتَعْلُو هَمَسَاتٌ مَهْزُومَةٌ
تَسْأَلُ عَنْ صَبَاحٍ لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ طَرِيقَ الْقُدُومِ،
وَتَتَدَلَّى مِنْ نَوَافِذِ الْمَدِينَةِ
أَحْلَامٌ مُمَزَّقَةٌ كَثَوْبٍ بَالٍ
لَمْ يَعُدْ يَسْتُرُ جُرُوحَ الْفُقَرَاءِ،
وَيَبْقَى السُّؤَالُ مُعَلَّقًا
فِي فَمِ طِفْلٍ يَبْحَثُ عَنْ سَبَبٍ
لِمَوْتِ الرَّبِيعِ فِي حَدِيقَةٍ
لَمْ يَزْرَعْ أَرْضَهَا إِلَّا الأَسَى
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق
---
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .