**مُقَدِّمَةٌ: دُمُوعُ السَّلامِ**
في عَالَمٍ مُثْقَلٍ بِالصِّرَاعَاتِ، حَيْثُ تُسَرَقُ الأَحْلَامُ مِنْ عُيُونِ الأَطْفَالِ وَتُدْفَنُ الْبَسَمَاتُ تَحْتَ أَنْقَاضِ الْحُرُوبِ، يَظَلُّ الشِّعْرُ مَلَاذًا أَخِيرًا لِلإنْسَانِيَّةِ، وَصَوْتًا يُنَادِي مِنْ أَعْمَاقِ الْأَلَمِ إِلَى أُفُقِ الأَمَلِ.
"دُمُوعُ السَّلامِ" لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ تُنْسَجُ عَلَى الْوَرَقِ، بَلْ هِيَ صَرْخَةٌ صَادِقَةٌ بِاسْمِ الأُمَّهَاتِ الثَّكَالَى وَالْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا غَيْرَ الدُّمَارِ وَطَنًا. هِيَ رِسَالَةٌ مُوَجَّهَةٌ إِلَى قَادَةِ الْفِتْنَةِ وَدُعَاةِ التَّفَرُّقَةِ، تُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّ مَا يُهَدِّمُونَهُ لَيْسَ حِجَارَةً، بَلْ أَرْوَاحًا تَحْلُمُ بِالسَّلامِ.
هَذِهِ الْقَصِيدَةُ، بِآهَاتِهَا الَّتِي تُشَبِّهُ أَنِينَ الرِّيَاحِ فِي صَحَارَى الشَّرْقِ، تَدْعُوْنَا لِلْتَّأَمُّلِ فِي وَجَعِ التَّارِيخِ وَرَجَاءِ الْمُسْتَقْبَلِ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ لِأَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ السَّلامَ لَيْسَ ضُعْفًا، بَلْ هُوَ الْقُوَّةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعِيدَ لِلْإِنْسَانِ إِنْسَانِيَّتَهُ.
**دُمُوعُ السَّلامِ**
يا أَرْضَ الشَّرْقِ، يا جُرْحِي القَدِيمْ
يا وَجَعَ الصَّحْرَاءِ فِي قَلْبِ النَّسِيمْ
أَمَا آنَ أَنْ تُطْفَأَ نَارُ السِّنِينَ؟
أَمَا آنَ أَنْ نُزْهِرَ بَدَلَ العَوِيلْ؟
يا أَرْضَ التَّارِيخِ... مَا بَالُكِ تَصْرُخِينَ؟
حُمِّلْتِ أَثْقَالاً، وَطُوِّقْتِ بِالسَّلاسِلِ
فَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ مَرَّ فَوْقَكِ،
وَدَفَنَ فِي تُرَابِكِ أَحْلَامَ العَدْلِ الَّذِي يَسْبِقُ الزَّمَانْ؟
هُنَا القُدْسُ تَبْكِي، وَهُنَا بَغْدَادُ تَنُوحْ
وَهُنَا الشَّامُ تَسْأَلُ عَنْ قُبْلَةِ الرُّوحْ
دِجْلَةُ عَطْشَى لِسَلَامٍ يُنَادِي،
وَالنِّيلُ يَحْلُمُ بِصَوْتٍ لَا يَذُوبْ
كَانَ صَغِيراً...
يَحْمِلُ فِي جَيْبِهِ حَصَاةً مِنْ وَطَنٍ
وَفِي يَدِهِ رَسْمٌ لِبَيْتٍ كَانَ هُنَاكْ
لَكِنَّ السَّمَاءَ أَمْطَرَتْ قَذَائِفاً
فَانْهَارَ البَيْتُ، وَخَفَتَ الضَّوْءُ...
وَتَبَعْثَرَتِ الحَكَايَاتُ عَلَى عَتَبَاتِ الغِيَابْ
سَأَلَنِي الطِّفْلُ:
"مَا مَعْنَى السَّلَامِ؟"
فَانْكَسَرَتِ الإِجَابَةُ فِي شَفَتِي،
وَأَيْقَنْتُ أَنَّنِي لَا أَعْرِفُ سِوَى
أَنَّ السَّلَامَ حُلْمٌ يُدْفَنُ كُلَّ يَوْمٍ
تَحْتَ أَقْدَامِ الحُرُوبْ
نَزَفَ الشَّرْقُ حَتَّى صَارَتِ الجِرَاحُ خَرَائِطْ
وَتَنَاثَرَ الأَمَلُ كَأَنَّهُ رَمَادٌ فِي مَهَبِّ الرِّيَاحِ
لَكِنْ...
حَتَّى الرَّمَادِ يُبْعَثُ نَجْماً
حِينَ يُلَامِسُهُ نَبْضُ الحَيَاةِ
سَلَاماً...
لِأُمٍّ تَحْتَضِنُ الغِيَابَ كَطِفْلٍ وَحِيدْ
لِأَبٍ يَبْكِي عَلَى بَابِ وَطَنٍ شَرَّدَتْهُ الرِّيَاحُ
لِشَعْبٍ يَحْلُمُ أَنْ يَنْهَضَ كَطَائِرِ العَنْقَاءِ
وَيُعِيدَ كِتَابَةَ الحِكَايَةِ بِنُورِ القَلْبِ
يَا أَنْبِيَاءَ الكَلِمَةِ، اكْتُبُوا حُرُوفَكُمْ بِدُمُوعِ السَّمَاءِ
اجْعَلُوا مِنَ القَصِيدَةِ وَطَناً لِمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ
قُولُوا لِلشَّرْقِ:
إِنَّ الحُبَّ أَعْمَقُ مِنَ الخَنَادِقِ
وَأَنَّ الزَّهْرَ أَقْوَى مِنَ البَنَادِقِ
قُولُوا لَهُمْ:
إِنَّ السَّلَامَ لَيْسَ ضَعْفاً،
بَلْ هُوَ قُوَّةُ القُلُوبِ الَّتِي تَحْلُمُ
وَأَنَّ يَداً تُصَافِحُ
أَعْظَمُ مِنْ يَدٍ تُشْعِلُ النَّارَ فِي الحُقُولْ
يَا قَارِئَ هَذِهِ الحُرُوفِ،
إِنْ بَكَيْتَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تُطْفِئَ نِيرَانَ الغَضَبِ فِي قَلْبِكَ
وَاجْعَلْ مِنْ دُمُوعِكَ نَهْراً
يَرْوِي زَهْرَةً تَنْبُتُ فِي يَدِ طِفْلٍ...
عَلَّهُ يَوْماً...
يَكْتُبُ السَّلَامَ بَدَلاً مِنَ البُكَاءِ.
- الأثوري محمد عبدالمجيد... 2025/1/21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .