قالت لي جدتي
أ.د. / زياد دبور*
يا أيها الطفل الذي يحمل في عينيه براءة الفجر ودهشة البداية،
سألتني عن الطريق إلى العالم الذي رسمته جدتك في حديثها، فأجبتك:
أيّ عالمٍ تريد أن تبلغ؟ أهو عالمٌ يُولد من حلمٍ عتيق، أم هو عالمٌ دفنته الأرض في صدوع الزمن؟
فقلتَ: أبحث عن رحلةٍ تقودني إلى جبالٍ خضراء لا يطالها ذبول، حيث الشلالات تسكب أسرار الخلود، والأنهار تُهدهد أرواحها بين الصخور كما يَهدهد الليل طفله الرضيع.
أريد أن أجد ذلك المكان الذي أخبرتني عنه جدتي، حيث البشر كانوا يشبهون ظلالهم، فلا تتلوى الظلال بالكذب، ولا تنكسر الأرواح تحت وطأة الطمع.
أريد دروبًا يملؤها العدل، كشجرةٍ جذورها في الأرض لكن أغصانها تلامس النجوم. أبحث عن قلوبٍ كالينابيع؛ صافية، لكنها لا تخشى الانسكاب.
لكن، يا صغيري، العالم الذي تنشده كان يومًا هنا، لكنه انزلق كما ينزلق الضباب عن قمم الجبال عند بزوغ الشمس، تاركًا خلفه جراحًا في الصخور وشقوقًا في الأرض.
لقد كان عالمًا وُلد من النور، لكنه احترق تحت أقدام الظلم، وأصبح رمادًا تحمل الريح بقاياه.
ثم قلتَ لي: أليس هناك أمل؟
فأجبتك:
يا صغيري، إن الرحلة التي تنشدها ليست بين الجبال ولا على ضفاف الأنهار، بل هي في قلبك، حيث تخوض روحك معركة بين النور والظلام، وبين الحلم والواقع.
فإذا كنتَ النهر الذي لا يتوقف عن الجريان، وإذا كنتَ الشجرة التي لا تتخلى عن جذورها مهما هبت الرياح، فإنك ستُعيد للأرض خضرتها، وستحيي عالماً من الجمال كان قد مات في صدور البشر.
يا صغيري، اصنع أنت الجبل الذي لا تهزه الزلازل، وكن الشلال الذي يغسل الحقد عن القلوب، وكن النور الذي يتسرب من بين شقوق الأرض لتعيدها إلى الحياة.
*. © زياد دبور ٢٠٢٥
جميع الحقوق محفوظة للكاتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .