بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2025

ويبكي القاتل بقلم الراقي فاروق بوتمجت

 ويبكي القاتل

لم يكن أوساريس قاتلًا متمرسًا، ولا حتى مبتدئًا يطمح لكتابة اسمه في سجلات الجريمة. كان، في أفضل تقدير، رجلًا عاديًّا ينسى مفاتيحه في جيبه ويبحث عنها نصف ساعة، ثم يلوم الحياة على مكائدها الصغيرة. لكن تلك الليلة بدت مصمَّمة خصيصًا لتقلب عالمه رأسًا على عقب.

وقف أوساريس مشدوهاً فوق جثّة ممدّدة على الأرض. كان ينظر إليها تارةً، وإلى يديه تارةً أخرى، وكأنّه ينتظر أن ينبثق صوت من تحت الجثّة ليقول له:

«أتممت مهمّتك… فهل أنت راضٍ؟».

غير أنّ العجيب لم يكن في الجثة، بل في ذلك الإحساس الغريب الذي هجم عليه فجأة؛ إحساس ثقيل لاصق، يهبط على الروح مثل ستارة مسرح سقطت قبل انتهاء العرض.

شدّ أوساريس كتفيه محاولًا التماسك. حاول أن يستحضر صلابة المجرمين كما تُصوّرهم الروايات والمسلسلات، غير أنّ ركبتيه ارتجفتا كأنّهما تعلنان إضرابًا مفاجئًا عن الخدمة. ثم، بلا مقدمات…

انهار.

جلس على الأرض، وبدأ بالبكاء؛ بكاءً صادقًا قبيحًا، لا يليق على الإطلاق برجل ارتكب لتوّه جريمة جسيمة. وحتى الجثّة — لو قُدّر لها أن تنطق — لربما قالت له بعتاب هادئ:

«يا رجل، إن كنت قد أقدمت على هذا، فليكن لديك من الثبات ما يناسب فعلك!».

مسح أوساريس دموعه بكمّه وهمس بصوت متقطّع:

«لم أُخلق للعنف… لِمَ صنعتُ ما صنعت؟ إنّي أرتجف لمجرّد رؤية قطرة دم، فكيف وصلت إلى هنا؟».

وبينما كان يبكي، انفتح باب الشقة المجاورة، وخرج منها جارٌ مسنّ، ذو بصر ضعيف لكن ثرثرة لا تعرف الضعف. حدّق طويلاً في المشهد، ثم قال بنبرة مدهشة:

«من ذا الذي يندب هكذا؟ أوساريس… أأنت تبكي؟ هل تشاهد نهاية مأساوية لمسلسل؟ لقد أيقظت العمارة كلّها!».

ازداد بكاء أوساريس، ليس خشية انكشاف أمره، بل لأنّ الجار لم يرَ الجثّة أصلًا، وقفل عائدًا إلى شقته وهو يتمتم بسخط خافت:

«جيل رقيق! يبكون لأي سبب!».

آنذاك أدرك أوساريس حقيقة موجعة:

لن يُذكر كقاتل مُرعب، بل كـ «القاتل الذي بكى حتى أزعج الجيران».

ويا له من لقب مخزٍ لمجرم ناشئ.

أطرق برأسه طويلًا، ثم خطرت له فكرة ساخرة، موجعة بقدر ما هي لاذعة:

«لعلّي لا أصلح لأكون قاتلًا… لعلّي كنتُ ضحية نفسي منذ البداية.»

ولأول مرّة منذ وقوع الحادثة… ابتسم. ثم ضحك.

ضحك حتى غلبته دموعه، حتى بدا المشهد — على فداحته — أقرب إلى مسرحية عبثيّة رديئة الإخراج.

وبين قاتلٍ يبكي، وجثّةٍ صامتة، وشيخٍ نائم خلف بابه،

واصلت الحياة سخريتها الهادئة من الجميع…

دون أن تعبأ بمن يستحق البكاء، ومن يستحق الضحك.

الاستاذ: فا

روق بوتمجت (الجزائر 🇩🇿)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

نصف قرن وإرادة بقلم الراقية جهان إبراهيم

 نِصْفُ قَرْنٍ وَإِرَادَة  أَرَى الْخَمْسِينَ لَكِنْ لَسْتُ أَدْرِي أَيَأْسٌ فِي الْفُصُولِ أَمْ سُرُورُ؟ فَقَدْ مَرَّ الشِّتَاءُ وَالصَّيْف...