امرأةٌ من نورِ الجزائر
بقلم: عماد خالد رحمة – برلين
يا جزائرَ الروح…
يا وطنًا إذا تنفّستُ نسيمه
عاد قلبي طفلًا يركضُ بين نخيلكِ،
ويختبئ في ظلّ زيتوناتكِ،
ويشرب من ينابيعكِ الأولى
ذلك الصفاء الذي لا يُشبهه صفاء.
ما زلتُ أحمل في راحتي
قبضةً من ترابكِ الطاهر،
قبضةً تُشبهُ التميمة،
كلّما ضاقت بي الدنيا
فاح منها عطرُ الشهداء
وأضاءت في صدري
نافذةٌ نحو الفجر.
يا أرضًا صاغتْ رجالها
من صلابةِ الجبال،
ورسَمَتْ نساءَها
من صبرِ الأمهاتِ اللواتي
يمسحن الوجع
فتنهضُ البلاد على أصابعهنّ
كالفرحِ يولد من الدمع.
أحبّكِ يا جزائر…
حبًّا يشبه اندفاع الماء إلى مجراه،
وحنينَ الجبل إلى جذوره،
وارتعاشة الروح
حين تُبصرُ أوّل حلمٍ
يلمع في عيني أمٍّ جزائرية
يشرق منها الوطن.
يا جزائر…
ما نطقتُ يومًا كلمة حبٍّ
إلا وكنتِ أنتِ أول السامعين،
وما همستُ بـ وطن
إلا وارتجف القلبُ شوقًا
إلى ترابكِ الذي يضيء
ولو نامت الدنيا كلّها في العتمة.
ويا امرأةَ الجزائر…
يا زهرةً تنبتُ من قلب الصخر،
وورقةً لا يذبلُ نداها
مهما اشتدّت عليها الرياح.
يا جمالًا يشرق
من طهارة الروح
لا من زينة الجسد،
ويا نورًا يمشي
على دروب القهر
بقدميْ صبرٍ من ذهب.
أنتِ التي حملتِ الأعباءَ
كما تحملُ الجبالُ أسرارها،
ووقفتِ تحت سماءٍ مثقلةٍ بالظلم
فلم تنحني
إلا في سجدةٍ
تردّ للروح طمأنينتها
وتملأ الدنيا ضوءًا
يُشبه وجهكِ.
أنتِ المزيجُ العجيب
من رقةِ الندى
وصلابةِ الجمر حين يشتعل،
من العفّةِ التي ترفعكِ
والطهرِ الذي يُنيركِ،
ومن حياءٍ
يُخجل الفجرَ نفسه،
وقوّةٍ
تقف في وجه الليل
وتقول: لن تهزمني.
في يدكِ اليمنى
خبزُ الأسرة،
وفي يدكِ اليسرى
قلبُ الوطن،
وفي صدركِ
نبضُ أبناءٍ تربّوا على عزّةٍ
لا تُشترى،
بل نُحِتتْ
من دعائكِ،
ومن دمعةِ خشوعٍ
تعرفين أنّ الله
يمسح بها التعب.
كم صُنْتِ الدارَ من برد،
وكم صُنْتِ الوطن من فقد،
وكم وقفتِ كالنخلة
لا يكسرها ثقلُ السنين،
ولا يخبو نورُها
حتى لو أُغلقتْ
أبوابُ الظلمِ كلُّها.
يا امرأةَ الجزائر…
فيكِ من الجمال
ما يُورقُ الصحراء،
ومن الرِّقّة
ما يُلين الحجر،
ومن الطهر
ما يجعلُ الملائكة
تبارك خطاكِ،
ومن الصبر
ما يبني وطنًا كاملًا
على كتفيكِ وحدك.
يا امرأةً من نور الجزائر…
منذ أوّل دعاءٍ
بين يدي الفجر،
كنتِ حارسةَ البيت،
وصانعةَ الرجال،
وأمَّ الأجيال،
وسيدةً كتبتْ
باسمها
وحيائها
وصبرها
تاريخَ الجزائر…
وأشعلت في قلبها
نورًا
لا يعرفُ الانطفاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .