“هزلية الهزيمة”
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – كُتبت في 27.01.2025 | نُقِّحت في 06.12.2025
ليس في الهزيمة ما يُضحك، لكنها أحيانًا تصبح هزلًا أسود،
حين نعيشها دون وعي، حين ننهزم بصمت، ونرفع رؤوسنا كأن شيئًا لم يكن.
في الهزيمة… لا يموت الجسد فقط،
بل تُذبح الإرادة، ويُسحق الحلم على مهل.
بعد أي هزيمة، تتكوّن اليقظة من رمادها.
يصير الثبات برهانًا للمقاومة والتجديد.
ومن لم يفهم ارتدادات الهزيمة، عاش في دوّامتها وانتهى فيها لا محالة.
⸻
هزلية الهزيمة
أقسى الهزائم في وضح النهر
أن تُقرّ بها دون أن تدري حجم خسارتك،
أن تنساها،
كأنك لم تُهزم وتعيش غافلًا منكود.
نسيك الوجع الخسيس،
ورماك على مفترق،
يهدرك الدم بصمتٍ عجيب.
تتلفت وكأنك تراهن على بقاء البهجة في حوض مغلق.
فصارت ردّة الفعل أقوى.
حتى قشّة أو ورقة زيزفون…
المهم أن تبقى واقفًا وتعترف بأنك مهزوم.
ليت الإرادة تعذر المهزوم،
وهو يُجلد بالوضوح،
على وجه تلونه الهزيمة بأصباغ الشياطين،
لون أقل من الوحل، يشابه لون حجرٍ غاب ملايين السنين وظهر بعد سيل،
فتردد في رؤية الشمس.
كل الإرادات رفضت أن تمسّ الهزائم.
قُطنٌ مندوف وغبار يتسكع تحت ضوء لا يعلم به سوى بعوضٍ هائج.
يا ليت القوة تلفظ بعض الكلمات،
لتقول:
كيف تسكن الهزيمة جسدًا يتكئ على قصب هشّ؟
عند الهزيمة ينتهي نبض الوئام،
ويصير الفم كوزَ صبّار؛ شوكٌ كإنذار.
لا تقربه إلا الأفاعي لتبدّل جلدها وتقبل بوخز الشوك.
العار أن يبقى الثوب القديم،
وليس الألمُ عابرًا.
وهي تدرك أن الهزيمة تعني صراعًا متجددًا،
مثل براعم الشجر… من يتخلّف يهلك.
والحلم يصير رمادًا يُذرّى حتى ولو لم تمسّه النار،
أو مثل طحلبٍ جفّ على جدار،
حمله النمل إلى قبو النهايات.
فخذ ما لديك… قاوم،
لا تساوم، لا تتألّم،
حتى تفوز كما فاز المتيقّنون من الحياة.
أو تخلّد نفسك في المعركة الوجودية،
قبل أن تخسر كل شيء.
فتغضب وتُلام، تتحوّل، تتراخى،
يغشى عينيك وهمُ الانتصار وأنت مقيّد،
تقيّدك ظلالك كحزام،
حتى ولو كان بنفسجيًّا مسحورًا من وَهْمٍ خانق،
فأنت ملفوفٌ بشرنقةٍ
لن تُخرجك منها لا فراشةٌ ولا يعسوب.
لا تجادل في جمال البقاء،
إن كان البقاء تحت بلاطةٍ مصقولة
بثمن الأرض ودماء الناس.
ولا رخامٌ يشفع لمن تحته
إن كان مهزومًا قتله اليأس والتردّد.
كم مرّة عصفت الرياح، ولم تسقط ورقة خضراء؟
بقيت على غصنها، وسامًا للبقاء.
وإذا جاء الخريف واصفرّت وسقطت،
سقطت بوداعٍ فيه بهاء الرحيل،
بلا طعمٍ للانتقام.
فكيف تسقط أنت في فصل الشجاعة؟
الكل يمضي إلى نهايته،
لكن النهايات تختلف بعد الزوال.
فدُمْ في الذاكرة،
ولا تنس أنك تحمل لحظاتٍ ذهبية
لها في الصباح زرقة اللمعان،
مثل شيء لم يولد.
قدّمها لنا… فهي لحن الهيام.
يا ليتنا نمضي كما مضيت،
لكن لا مفر من المسير.
لا بدّ أن نمضي،
كما يمضي الضوء إلى الضوء،
بين العلوات في الأفق،
وبين ظلٍّ معطّرٍ
من عبير الورد ورفرفة الحمام.
من يغفر للمهزومين؟
ما زلنا نعجز عن الرد الحاسم،
والفرق بين الهزيمة وما بعد الهزيمة:
صراعٌ مفتوح على أبواب القلاع.
من يسقط القلاع ويدخل في رحابتها،
يرى الحياة.
دريسدن | طاهر عرابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .