دفتر المأذون
من أسقط التاج ..؟؟
بقلم : م.د. كامل عبد القوى النحاس
**الفصل الرابع –
وسقط التاج ..!!
حين انحنت الهامة ولم يسندها أحد**
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
لم يخرج الرجل من بيته في ذلك الصباح…
لم يكن فيه ما يكفيه ليواجه العالم.
وقف أمام المرآة طويلًا، يحدّق في وجهٍ لم يعد يعرفه.
ذلك الوجه الذي كان يومًا يملأ المجالس والبيوت ضحكًا وفخرًا…
أصبح الآن ظلًا باهتًا لرجل كان يحمل تاجه عاليًا، يمشي به بين الناس كرمز قوة…
حتى جاءت اللحظة التي سقط فيها التاج، وارتطم بالأرض ارتطامًا سمعه قلبه قبل أذنيه.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
المطعم… المسرح الذي احترقت عليه آخر فصول المجد
كان المطعم حلمه الأجمل، وساحة مجده التي أنهك نفسه ليصنعها من الصفر.
لم يكن مجرد مكان… كان مرآته.
أضواء لامعة، ديكور فخم، طاولات تشبه مقاعد الأمراء.
دفع مقدّمات ضخمة، وقع عقودًا طويلة بثقة فارس يعرف طريقه.
ظن أن المدينة ستفتح له ذراعيها…
لكن المدينة لم تكن حبيبة؛
كانت ساحة حرب.
وفجأة، ومع أول عاصفة، انطفأت الأضواء.
تراكمت الديون، هرب العمال، وأُغلقت الأبواب.
تحول المكان من قصر يضج بالحياة…
إلى تابوت كبير يحمل بداخله آخر أنفاس الحلم.
ووقف الرجل في منتصف المطعم الخاوي، يلامس بيده الحوائط، ينظر إلى الطاولات المتربة، وإلى كرسى الكاشير الفارغ، كأنما يودّع صديقًا عزيزًا.
كان ينادي كالمجذوب فى المكان الخاوى الذى يرد عليه الصدى…
وصدى السقوط أقوى من قدرة قلبه على الاحتمال.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
الديون… أختام سوداء على رقبة مثقلة
لم يعد يوقّع أوراقًا…
بل كان يوقّع أجزاءً من روحه.
شيكات بلا رصيد، كمبيالات، فوائد تنهشه، ديون تلاحقه ليلًا ونهارًا.
كان يشعر وهو يكتب اسمه أن القلم أثقل من الجبل.
وكأن كل توقيع يهمس له:
"لم يعد فيك ما تنهض به."
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
محاولة أخيرة… قشة لا تنقذ غريقًا
بحث في الحطام عن أمل، ففتح مطعمًا صغيرًا في حارة ضيقة.
كانت خطوة تشبه محاولة إنقاذ رجل يغرق وهو يعرف أن البحر قد قرر ابتلاعه.
لكنّ الشائعات تبعته، والموارد شحت، والناس خافوا من اسمٍ صار مرتبطًا بالخسارة.
وكان كل يوم يمضي…
يعلّمه أن بعض السقوط لا تُنقذه قوة، ولا ذكاء، ولا حتى الدعاء إن تأخر وقته.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
البيت… حين ينهدم السقف على ساكنيه
زوجته الأولى، التي عاشت معه أيام القوة، لفظته، كماء جار يلفظ جيفة أسنت.
تحوّل بغضها له إلى صراع، وصراعها إلى عناد، وعنادها إلى انتقام صامت.
باعت المحلات التى اغتصبتها منه واحدًا تلو الآخر، كأنها تقطع أطرافًا من جسد واحد.
وأصبح البيت الذي كان يزهو بالرفاهية…
ساحة جروح مفتوحة.
أما الزوجة الثانية…
فقد أثقلها الزمن.
وقد روضتي قلبها على تجنب العواصف، وكانت دائما حذرة من تقبل الخسارة.
زارت الرجل فى محنته مرات قليلة… ثم اختفت، تاركةً خلفها سؤالًا مرًّا:
هل يفرّ الناس من الهزيمة كما يفرّون من المرض؟
حتى أبنائها الذين رباهم يومًا…
لم يفهموا معنى أن يسقط رجل عاش عمره قائمًا. . وضنوا عليه بأى معروف أو مساعدة.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
الجسد… حين يعلن الهزيمة قبل الروح
لم يعد الرجل قادرًا على خدمة نفسه.
جسده الذي حمل مشاريع وأعمالًا وأموالًا…
لم يعد يقوى على حمله هو شخصيًا.
صار يحتاج يدًا تمسكه إذا قام، وتعينه إذا دخل الحمام.
والمؤلم…
أن تلك اليد لم تكن موجودة ، لا زوجة، ولا ابن، ولا قريب.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
الدائنون… طرقات تشبه الطعنات
كانوا يطرقون الباب كل يوم…
طرقًا لا يشبه السؤال، بل يشبه الإنذار.
البعض يصرخ، البعض يهدد، البعض يذكّر، والبعض يرحم على استحياء.
لكنه كان يعرف أن الرحمة في عالم المال قليلة…
وأن الديون لا تغفر السقطات.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
ومضة نور… في آخر الممر
وفي اللحظة التي بدا فيها كل شيء مظلمًا…
أرسل الله رجلًا صالحًا، لا يعرفه القارئ لكن يعرفه القدر.
مدّ يده، وشفع له، وأخذه إلى شقة ابنه، ليجد هناك ما تبقّى من كرامة وستر.
كان الأمر بسيطًا…
لكنه بالنسبة للرجل كان إنقاذًا لحياة كاملة.
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
ويُغلق الستار… ليبدأ السؤال الأكبر
هكذا سقط التاج…
لم يسقط دفعة واحدة، بل سقط قطعةً قطعة…
كل خذلان كان يكسر ضلعًا منه،
كل دين كان يطيح بجانب،
كل خيانة كانت تُسقط حجرًا جديدًا،
حتى وجده الرجل يومًا على الأرض…
مكسورًا بلا مجد، وبلا رأس يحمله.
وهنا يبدأ الفصل القادم والأخير، الفصل الأخطر:
━━━━━━━━━━━━━━━━━━
الفصل الخامس – من أسقط التاج؟
ليس سؤالًا عن الماضي…
بل سؤالًا عن الحقيقة:
هل أسقطه سوء التقدير؟
أم خ
ذلان البيت؟
أم قسوة السوق؟
أم أن التاج نفسه كان هشًا منذ البداية؟
ترقبوا.. فضلا لا أمرا
م.د. #كامل_النحاس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .