⟪ ذاكرة الحجر ⟫
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
كُتبت في البرتغال 20.09.2024 | نُقِّحت في دريسدن 10.12.2025
⸻
1
انا حجرٌ أملس،
نصفي دائري ونصفي طويل،
لوني بُنّي يتخلل وجهي عروق رخام ابيض،
موشى مثل حرباء السكينة .
لا اتذكّر عيد ميلادي ،
ولا اعلم أين وُلدت،
قبل مليون عام مليار عام ؟
وكنت اكبر وارقى واجمل
فتركوني بلا منازع
من ينازع حجر ؟،
لم يُكترث بوجوده،
ولا ذُكر في شيء اكثر من البقاء .
فلماذا تُكتب الذكريات والقصائد؟
ولمن؟
إن كنتَ شاهدًا على الزمن كلّه،
ولا أحد التفت يومًا إلى مشاعرك .
2
كنتُ في البحر، قادمًا من النهر،
بعد أن ذاب الثلج، وشدّني الماء في صخبه،
وأدخلني أعماق الظلمة.
لا علم لي كيف خرجتُ إلى الشاطئ،
وانتهيتُ هنا، كقصصٍ عابرة،
لم يسجّلني العابرون نحو البحر.
كانوا مشغولين بالأسماك،
يتناسونني حتى لو تعثّروا بي وسقطوا
يشتمونني .
بالأمس، حطّ عصفور على خاصرتي،
ظنّ أنه يعرفني،
دار حول نفسه يبحث عن الشمس،
واهمًا، متردّدًا، زقزق للدود،
منتظرًا وليمةً لم تخطر ببالي.
3
إنه بسيطٌ في طريقته للحياة،
عُمره شهران، وسينتهي بعد شهر.
لو كتب ذكرياته، لمات بحزن
قبل أن يجفّ الحبر
ويلتفت إلى منقاره اليائس.
كانت الدودة تنام تحتي،
آمنةً على نفسها، رطبة الجسد،
دون أن أُعلِم العصفور عنها.
يا للحماقة!
يغرّد في الفضاء، ويظن أنه
أرسل إنذارًا للغافلين، ولم يتركني اتابع عد السنين .
جعلني عرشه الصيفي، وصبر على الجوع.
حتى إنني كرهت صبره،
ولم أفشِ بسرّ الدودة.
هي تنام تحتي، وكنتُ قرير العين.
لماذا أُضحي بمن يؤنسني،
حتى ولو لم يكن يعلم؟
غرباء كُثر يمرّون،
داخلون إلى البحر،
لا أذكر أحدًا منهم وجوههم غريبة .
لم يسألني أحد: كيف حالك يا حجر؟
هل تحب العودة إلى البحر؟
4
ربما أنا إحدى تلك المخلوقات الجميلة
التي وُلدت لتكون أنيسًا للوجود،
وهذا أقلّ ما أتحمّله،
دون تذمّر.
وهم عابرون أو ميتون، وأنا أتذكّرهم،
لكنهم لا يتذكّرون.
يعدّون ساعات الرحيل،
وأعدّ أنا ساعات الوجود.
ليس كرهًا أن تكون حجرًا
وتبقى تراقب العابرين.
لكن لعلّكم تُدركون:
أكثر العابرين حرصًا على البهجة
هم أولئك الذين يرون شمس الغد في قلب الليل،
ويسمعون صوت الصباح وهو يناديهم.
تمنّيت لو كنتُ أدعوهم،
حتى وإن شربوا القهوة بمفردهم،
فإن صباح الغد سيكون دعوةً مفتوحة:
تعالوا،
فما زال في المكان مكانٌ لكم…أرجوكم
تحت الحجر دودا
وفوق الحجر عصفور
وقرب الحجر بحر
والعابرون نحو الزوال لهم ضحكة .
دريسدن – طاهر عرابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .