"لا يُنقذك القبطان"
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – كُتبت في 08.02.2024 | نُقِّحت في 02.12.2025
في هذه القصيدة، لا يُنظر إلى البحر كمساحة ماء وأمواج،
بل كقوّة كونية غامضة ومهيمنة، تختبر الإنسان في حدود وعيه.
هو القوّة العمياء التي لا تُفسَّر ولا تُقهر،
والإنسان — مهما علا — يظل غارقًا في متاهاتها،
يبحث عن نجاة تتوارى بين هدير الموج وصمته.
والغرق هنا غرقٌ وجودي:
امتحانٌ للوعي، وصدى للقلق الإنساني،
ودعوة إلى مواجهة الحرية حين تكون قاسيةً مثل البحر، وعميقةً مثل الخوف من البقاء نفسه .
⸻
لا يُنقذك القبطان
وقعتُ في بحرٍ يحمل جرأةَ ذوبان الثلج في ملحه،
ولا يقبلُ زورقَ النجاة،
ولا نداءَ المنقذين.
بحرٌ في خندقٍ يتمترس بوحدته،
يعاتبك حتى تموتَ في مائة،
وهو يحاورك في متعةِ البقاء.
هو الخالدُ في نشوته،
وأنت المنفيُّ من دائرة الخلود؛
حتى شواطئُه تشعر بالغربة…
وأنا أدخلُ عليه بوجهٍ غريب.
قلتُ: عجبًا!
وهل يرفع علينا البحرُ نزقَ العقوبات،
ويُحكِم قبضتَه على الأرواح التي تنبض بالحياة؟
لستُ حوتًا أمضي تحت ساريةٍ تدفعها الريح،
ولا صدفةً تحمل الموجَ والنداء،
ويخلّدها الظلامُ في السكينة.
يا بحر، نصفُك مجهول؛
فبأيّ لغةٍ تُخاطب بعدما هجرتكَ اللغات؟
تتمددُ… وفي عروقي يسخن الدمُ حيرةً منك.
وحيدًا أتنقّل بين ثنايا الموج،
أطلّ عليك من شرفات الماء؛
فوجدتُكَ تظمأُ للقهر.
أُسليك من غدر الرياح… وأنت تطلبها؟
كفاك تطارد ماءَك كأنه غريبٌ عنك.
أغرِقني… لأتشرفَ بمائك؛
فلا أعرف وجهًا آخر للخلاص.
عزفتُ عنك،
والبُعدُ وهمٌ… ما دمتُ فيك غرقًا.
فقل لي: كيف يعزفُ عنك مَن فيك،
والموجُ يلطِم وجهكَ من شدة القهر على وجهي؟
سأدعو النوارس كي تُنقذني،
وأعودَ مبتهجًا إن مسّكَ القدر.
فلكلّ نائحةٍ منديلُها،
ولكلّ منديلٍ نسّاجٌ مقتدر.
فلا تُراهن على هلاكي؛
وأنا لطيفُ المآسي… منتصر.
كم من أغنيةٍ عزفتها مسامعُنا،
وهديرُك أشقى من أي صوتٍ يُسمع.
تكلّف بخلاصي… ودعني أنصرف؛
فوطأةُ قدميّ على اليابسة هي جمالُك،
إن كنتَ رأيتَ في الإنسان جمالًا
يُتوّجُ شواطئك بخطواته.
لديك ما يكفي من الأسماكِ المأسورة،
وحنينُها للسماء يشبه المرجان.
فلا تتعجّب إن أحبك إنسان،
فكيف يتعجّب البحرُ من ريّان؟
فلنعد كما كنا:
أنت الشقيُّ في حوضك،
وأنا الطليقُ من قبضة السجّان.
يجمعنا الحبّ… ذاك الذي نجهله.
أنت غريق،
وأنا أعلمُ أني غرقان.
سيسكتُ هديرُك حين تراني مثلَك،
وأمرّ عليك في حوض الحياة…
وستمرّ النوارسُ وتُنقذني إن أسأتَ فهمي.
وتبقى أنت — القوّة المكسورة —
ولا يُنقذك حتى القبطان.
— دريسدن | طاهر عرابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .