تُفَّاحَةُ البَحْر
حَوَّاءُ، كَفَاكِ كَيْدًا،
قَدْ شَاخَتْ قُلُوبُ العُشَّاقِ
مِنْ شَرَكِ الزَّمَنِ.
كَفَاكِ تُفَّاحَةً وَاحِدَةً
أَكَلْتِهَا بِنَهَمٍ،
وَتَرَكْتِ ظِلَّهَا
يُطَارِدُنَا فِي الحُلْمِ.
تُبْحِرُ القَوَارِبُ،
تَبْحَثُ عَنْ وَفَاءٍ عَائِمٍ،
عَنْ حُبٍّ لَمْ يُعْرَضْ بَعْدُ فِي الأَسْوَاقِ،
عَنْ وَعْدٍ
لَا يُشْتَرَى،
وَلَا يُبَاعُ
بِقُبْلَةٍ زَائِفَةٍ.
البَحْرُ يَشْهَدُ،
كَمْ أَغْرَقْتِ سُفُنًا بِغَمْزَةٍ،
وَكَيْفَ أَشْعَلَتِ الرِّيحَ فِي الأَشْرِعَةِ،
وَكَيْفَ نَزَفَ المَوْجُ
حَتَّى جَفَّ
العَطَشُ فِي القُلُوبِ.
لَكِنِّي أَعْرِفُ
أَنَّ العِشْقَ
لَا يَرْسُو عَلَى مَرَافِئِ الخَدِيعَةِ،
وَلَا يَرْكَعُ
أَمَامَ المَوْجِ الغَادِرِ.
سَيَبْقَى البَحْرُ لَنَا،
وَالرِّيحُ
لِمَنْ يَحْلُمُ بِالإِبْحَارِ
دُونَ خَوْفٍ.
حِينَ تَمُرِّينَ،
تَنْحَنِي النُّجُومُ عَلَى وَجْنَتَيْكِ،
لَكِنَّ القَمَرَ حَائِرٌ:
أَيُضِيءُ لَكِ الدَّرْبَ،
أَمْ يَخْشَى الغَرَقَ
فِي عَيْنَيْكِ؟
وَلَا تَسْأَلِينِي
لِمَ أُصَدِّقُ الصَّمْتَ
أَكْثَرَ مِنَ الضَّجِيجِ،
فَالوُعُودُ
حِينَ تُقَالُ كَثِيرًا
تَتَآكَلُ كَالنُّقُودِ القَدِيمَةِ،
تَفْقِدُ مَلَامِحَهَا
وَلَا تَشْتَرِي نَجَاةً.
أَنَا لَا أُرَاهِنُ عَلَى المَرَافِئِ،
وَلَا أُحْسِنُ عَدَّ السُّفُنِ العَائِدَةِ،
يَكْفِينِي أَنْ أَرَى الأُفُقَ
عَارِيًا مِنَ الأَقْنِعَةِ،
وَأَنْ أَمْشِيَ إِلَيْكِ
بِقَلْبٍ
لَمْ يَتَعَلَّمْ بَعْدُ
فَنَّ الِالْتِفَافِ.
وَأَعْرِفُ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَيْكِ
لَيْسَ مُسْتَقِيمًا،
بَلْ يُشْبِهُ البَحْرَ
حِينَ يُخَبِّئُ التِّيهَ
فِي زُرْقَةٍ مُغْوِيَةٍ.
لَكِنِّي أَمْشِي،
لَا أَلْتَفِتُ لِآثَارِ الغَرْقَى،
فَمَنْ اخْتَارَ العِشْقَ
قِبْلَةً لِلأُفُقِ
لَا يَعُودُ بِوُصْلَةٍ مَكْسُورَةٍ،
وَلَا يُسَلِّمُ قَلْبَهُ
لِأَوَّلِ مَوْجَةٍ
تُجِيدُ الِادِّعَاءَ.
وَقُلْ لِلَّيَالِي
إِذَا مَرَّتْ بِأَسْمَائِنَا
أَلَّا تُسَرِّعَ الخُطُوَاتِ،
فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ تَأَخَّرَ
كَانَ خَائِنًا،
وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ وَصَلَ
كَانَ وَفِيًّا.
بَعْضُ القُلُوبِ
تَحْتَاجُ أَنْ تَغْرَقَ مَرَّةً
لِتَعْرِفَ
أَنَّ السَّبَاحَةَ
لَيْسَتْ نَجَاةً دَائِمًا،
وَأَنَّ الشَّاطِئَ
قَدْ يَكُونُ
خِدْعَةً أُخْرَى
بِاسْمِ الأَمَانِ.
نَحْنُ لَا نُحِبُّ لِنَنْجُو،
نَحْنُ نُحِبُّ
لِكَيْ نَعْرِفَ أَنْفُسَنَا
عَارِيَةً مِنَ التَّبْرِيرِ،
صَادِقَةً
كَمَوْجٍ
لَا يُجِيدُ الكَذِبَ
وَإِنْ كَسَرَ السَّفِينَةَ.
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .