بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 ديسمبر 2025

دهاليز الغفران بقلم الراقي طاهر عرابي

 «دهاليز الغفران» 


قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي

دريسدن – كُتبت في 11.05.2025 | نُقِّحت في 08.12.2025


لقد دخلتُ هذه الدهاليز.

لكنني لم أكن أبحث عن الغفران.

كنتُ أبحث عن نفسي، عن خلاصٍ ما،

عن طريقةٍ لأتخلّص من الغريب الذي سمّيتُه الهاجس؛

ذاك الذي يسكنني، يلاحقني،

ويتغذّى من ضعفي وذكرياتي وما يخفيه المستقبل.


أتلمّس طريقي داخل متاهة النفس:

صراعٌ بين الحاجة إلى النسيان،

ورغبةٍ في فهم ما كان ينبغي نسيانه،

واجتهادٍ لسباق المستقبل… حتى وإن بدا مستحيلًا.


هل تفهم الهواجس معنى الغفران؟

وهل يكون الغفران خلاصًا من الهاجس،

ولو بدا طريقه سهلًا؟


إنه سؤالٌ يوجعني:

هل نغفر لنتجاوز، أم لنُخدع؟

هل الغفران شجاعة، أم استسلامٌ ناعم؟


دهاليز الغفران ليست مكانًا مضيئًا،

بل ممراتٌ ضيقة بين القلب والعقل،

بين الحقد والصفاء،

بين البقاء والانعتاق.


وربما تكون الهواجس هي العروق

التي تكشف لنا الطريق إلى الغفران، لا التي تحمله؛

فالمفارقة أنّ ما نحاول التخلص منه

هو نفسه ما يفضح أسباب حاجتنا إلى الغفران،

لنستقرّ في زوايا حادّة من الضيق.



“دهاليز الغفران”


يعذّبني هذا الغريب.

يسكنني، ويجعلني أدفع ثمن بقائه.

سمّى نفسه هاجسًا… وانطلق يؤذيني.

شاركني خطواتي، متأبِّطًا الخوف،

وحاملًا ندوب الماضي على خواصره.


يتلوّى مثل خراطيم الأخطبوط…

لا شكل له، ولا لون يثبت ملامحه،

ولا أمسك به لأفهم أيَّ ألمٍ يفرضه.


أخطبوطٌ ساحرٌ بألف ذراع،

وعينٌ كصحنٍ بلا قاع…

قادرٌ أن يدفعني من السكينة إلى الفزع.


لستُ مهزومًا… بل محتارًا كيف أهزمه.


صرختُ فيه:

إمّا أن تترجّل وترحل،

وتأخذ معك كل رواسب الأفكار،

أو سأغلق النوافذ وأخنقك—

وأنا القاتل، وأنت المقتول بلا عقاب.

لن أندم… ولن أسمّيك بأكثر من “هباب”.


لديّ ما يكفي من القوة لأعشق من يقهرك…

وهو النسيان.

سأنساك،

وكأنني صفحةٌ بيضاء،

لا سطور عليها،

ولا بقع يعجز اللون عن ملئها.


فقال الغريب، بوقاحةٍ مدركةٍ لمصيره:

ستفشل.

أنت من يقلب الذكريات،

باحثًا عن حفنة أملٍ توقظني،

ولا ترتّب وسادتي المليئة بذكرياتك.


تأنَّ قبل طردي…

فالموت البطيء يبدأ من هنا.


لو كان في العدل مقام،

لخسرتَ أنت وربحتُ وجودي فيك.


لا تُلاحق ما يفوق قدرتك.

فالغاية لا تُدرك بالجرأة وحدها،

بل بقوة الفكرة،

وضوح الطريق،

وحشد الأمناء في النفس.


عاجزٌ أنت، وتلومني،

وتظنّ أن الغفران مخرجك.


لا تلتفت…

أنا الغريب، ظلّك المتعب،

عابرٌ بين تلافيف الذكريات.

والشمس لا تخشى أحدًا،

وأنا ظلّ شمسك ليلًا ونهارًا،

في الخافت… وفي العتمة السوداء.


فلا تغمض عينيك بحثًا عن سكينةٍ

هو من يبدّدها لك.


للساقطين هدفٌ واحد:

أن يحجبوا عنك الطريق إلى الغايات،

وبلوغ الغاية… منفى الهواجس.


ضع طوقَ ورودٍ على عنقك،

ودع يدًا تحرّك التمنّي،

لتختار السعادة.


فالغفران…

لم يُخلق ليكون مهربًا لذيذًا،

ولا ذنبًا يخجل منه الطامحون.


لا أدعوك… بل أنت من يدعوني.

هل لديك من تأمنه… في دهاليز الغفران؟


أغضبني، فتحسّست ما تبقّى لي—صدري—

وقلت: نعم، لديّ الكثير.

ولكن كيف أخلّص نفسي من جعبة المظالم،

وانحناءات الطريق؟


وأنت قوس قزح،

كلّ لونٍ فيك يحمل قصةً من ألمٍ وأمل.


حين تغزوك تقلبات الروح،

سترى أنك أشقى من احتكاك رمل الطريق.


فكيف يُدهشني نباحُ الكلاب على الظلال،

ولا تغاريدُ العصافير بعد أفول النهار؟

لهم مبرّراتهم في احتضان البهجة،

وأنا مقيّد…

وكأنّ أطرافي متشابكة،

أقربُ إلى الزحف مني إلى الهرب.


الكلّ غريبٌ قبل الفهم.

ولا صُلح مع الهزيمة،

وعلينا إعادة ترتيب الولاء—

دهاليز نعرفها… ودهاليز نجهلها،

وكلّها تلاحقنا كخيطٍ في إبرة.


أنا الحرّ الطليق،

وأنت هاجسٌ يأكل من سكينةٍ لا تخصّه،

ويُنهك من مخبئه ليتعلّم الغفران.


فشلنا معًا…

حتى بدا الغفران كأنه يضحك منا،

ووحده دفعنا إلى هذا التلازم.


وهذا كلّ ما تبقّى من طريقٍ

يعلّمنا الغفران.


دريسدن | طاهر عرابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

الندم بقلم الراقية سامية خليفة

 الندم  السماء مكفهرة تشهد وقع المصاب البحر غاضب  لا يستطيع أن يتمالك صخب الهدير  الطيور كئيبة تحمل معها فتات الأحزان وتهاجر  القلوب تتحطم ا...