صَوْتُ البَحْر
يَا بَحْرُ،
أَقِفُ عَلَى حَافَّةِ زَرْقَتِكَ
كَـمَنْ يَسْتَمِعُ لِوَصِيَّةٍ
مُخْفِيَّةٍ فِي تَجَاعِيدِ الأَمْوَاجِ.
أَسْأَلُكَ:
هَلْ يُطَوِّقُكَ المَجْهُولُ
كَمَا يَطْوِي قُلُوبَنَا العَطْشَى؟
أَمْ أَنَّكَ تَعَاوَدُ وِلادَتَكَ
فِي كُلِّ مَدٍّ
كَأَنَّكَ تَخْتَرِعُ عُمْرًا جَدِيدًا؟
أَنْظُرُ إِلَيْكَ،
فَأَرَاكَ تَحْمِلُ صَبْرًا
أَعْجَزُ الخَلَائِقِ عَنْ وَصْفِهِ؛
غَضَبُكَ يَأْتِي كَمَوْعِدٍ
لا يُخْطِئُ نَبْضَهُ،
وَعَدْلُكَ يَمْتَدُّ
مِثْلَ حَافَّةِ الأُفُق:
بَعِيدًا…
وَلَكِنْ لا يَضِلُّ.
قُلْ لِي:
أَيُّ سِرٍّ تَخْفِيهِ
تَحْتَ سَرِيرِ مِلْحِكَ؟
أَيُّ دَمْعٍ لَمْ نَرَهُ
تَصُبُّهُ فِي اللَّيْلِ
لِتَهْدَأَ نُفُوسُ الغَرِقَى؟
أَنَا الإِنْسَانُ الَّذِي يَضِيقُ صَدْرُهُ
بِفَيْضِ الهَمِّ، وَيَسْتَعْلِي عَلَيْهِ المَوْجُ.
أَجِيئُكَ
لِأَسْتَمِعَ لِمَا لا يُقَال،
وَأَسْتَدِلَّ بِهَدِيرِكَ
عَلَى طَرِيقٍ
لَا يَنْهَزِمُ فِيهِ الصَّبْر.
فَالنُّورُ يُدَاهِمُ لَيْلَكَ،
وَالظُّلْمُ يُقِيمُ سُدُودًا
تَتَسَاقَطُ
مَا إِنْ يَنْهَضُ مَوْجُكَ المُقَدَّر.
يَا بَحْرُ،
إِنْ كُنْتَ لَا تَنْطِقُ،
فَإِنَّ صَوْتَكَ
يَعْلُو القَارَّاتِ،
وَيُدَوِّي فِي قَلْبِي
كَمَا لَوْ كُنْتَ تُخَاطِبُنِي وَحْدِي.
فَقُلْ—
أَوْ أَوْمِئْ—
كَيْفَ أَتَعَلَّمُ
مِنْ زَبَدِكَ
أَنْ أَبْقَى…
وَلَا أَنْكَسِر؟
وَأَمَامَ صَمْتِكَ،
أَشْعُرُ أَنَّنِي أَصِيرُ أَكْثَرَ وَضُوحًا،
كَأَنَّ مَوْجَكَ يُفْصِحُ
عَمَّا عَجَزَتْ عَنْهُ حَنَاجِرُنَا.
فَأَرْفَعُ يَدِي إِلَيْكَ،
لَا طَلَبًا لِلنَّجَاةِ،
بَلْ لِكَيْ أُشَارِكَكَ دَرْسًا
يَنْحَتُهُ الزَّمَنُ عَلَى صَدْرِكَ:
أَنَّ مَنْ يَعْرِفُ قِيمَةَ الصَّبْرِ
لَا يَخَافُ العَاصِفَةَ،
وَمَنْ يَعْرِفُ سِرَّ القُوَّةِ
يَقِفُ،
وَلَا يَمِيلُ،
وَلَوْ هَاجَتْهُ أَهْوَالُ الدُّنْيَا.
وَأَغْتَمِدُ نَفَسِي فِيكَ،
فَإِنْ كُنْتَ تَسْكُبُ غَضَبَكَ فِي مِيعَادٍ،
فَأَنَا أَتَعَلَّمُ أَنْ أَسْكُبَ هَمِّي
فِي اللَّحْظَةِ الصَّحِيحَة،
وَأَرْجِعُ مِنْكَ
وَقَدْ حَمَلْتُ نِصْفَ قُوَّتِكَ،
وَقَلِيلًا مِنْ سِرِّكَ،
وَظِلًّا طَوِيلًا
مِنْ حِكْمَةِ المَوْجِ.
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .