بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2025

موعد لم يكن بقلم الراقي طاهر عرابي

 "موعدٌ لم يكن"


قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي

دريسدن – كُتبت في 11.07.2024 | نُقِّحت في 17.12.2025


في لحظات الصمت التي تتخلل ضجيجنا اليومي، نتساءل أحيانًا:

هل نحن حقًا على موعد مع هذه الحياة، أم دخلناها مصادفة،

مثل من يصل متأخرًا إلى حفلة لم يُدعَ إليها،

ولا يجد اسمه على قائمة الضيوف؟


هذه القصيدة ليست احتجاجًا، ولا اعترافًا،

بل هي حوار داخلي مع حياة تبدو أحيانًا حكيمة،

وأحيانًا غامضة، وغالبًا صامتة.


في «موعدٌ لم يكن»،

يتتبع الصوت الشعري أثر الزمن الفائت،

ويعيد مساءلة مفاهيم مثل الأمل، والتصالح، والعدالة، والخلاص،

دون أن يقدّم أجوبة جاهزة،

بل يفتح باب التأمل والصدق مع الذات.



موعدٌ لم يكن


أيتها الحياة،

أنتِ التي اخترتِ وجودي.

ظننتُ أني لن آتيكِ متأخرًا،

حين تواعدنا عند البهجة،

تحت أجنحة الطيور المغرّدة في صفاء الهواء.


لكنني فوجئتُ أن موعدنا كان قبل يوم الأمس،

في موقعٍ ينخره الهمس،

مثل تلك المؤامرات المديدة

التي تنبش عقلًا تائهًا.


فهل كنتُ لا أستحق منكِ تذكرةً بسيطة،

كصفير بلبل؟

أم أننا، من الأصل،

لم نضرب موعدًا؟


ولم يكن متفقًا عليه أن نلتقي:

أنتِ الحياة،

وأنا سائقٌ يركب نفسه في الزمن.


أسوأ ما فينا،

ذلك الذي يغفل ولا يغفر،

ويتجاهل أنه كان ملزومًا

بأملٍ بسيط… لا أكثر.

وها أنا وُلدت، وماذا بعد؟


كم بالغنا في كل شيء!

قساوة الفكرة تكمن

في العزيمة من أجل العدم،

في الحزن حتى استنزفنا تجاعيدنا،

وفي الفرح حتى صار وهمًا نخشى سطوته،

وفي الانتظار حتى فقد الغياب

معناه الحقيقي.


ها أنا وُلدت، وماذا بعد؟


أخبريني،

هل للتصالح نهاية تفرحنا،

أم أنه في جوهره اعتراف بالهزيمة؟


وعلى ما يبدو لي أن أحدنا انهزم، ولستُ أنا،

ولستِ أنتِ،

كم أخشى أن أقول: أنتِ،

وأشير إليكِ بالهزيمة.


هل انتصرتُ أنا؟

وفي أي مكانٍ أنتِ لستِ فيه؟

من الذي فكّر بالهزيمة والانتصار؟


وأنا ما زلتُ أفكر في هذا الحوار،

حوار المولود مع الحياة.


وأيّهما أصدق، يا حياة:

ذاك الذي يُطارد موعدًا قد فاته،

أم من يدرك أنه لم يكن هناك موعد أصلًا،

بل كان يسعى – ملتاعًا –

للمس ذرةٍ من غبار الرحمة المقدسة؟


ذاك الذي يبكي عثراته بفرحٍ نقي،

أصدق من كل ما فعله

في صراعاته مع قوالب البهجة الزائفة.

كأنما اكتشف أن الخلاص

لم يكن يومًا في الوصول،

بل في إدراك عبثية السباق ذاته.


نخاف ونُخيف،

ولا نتردد في اختراع وصفٍ آخر

يشبه الخوف…

كأن نُعمّق الحذر حتى آخر الطرقات.


أرجوكِ، أيتها الحياة،

هل وضعتِ حكمتكِ في سباق السلحفاة،

ونسيتِ الأيام التي تدوسنا؟


كلّنا يحمل خطيئته،

لكي يتحمّل الخجل.

وبعد الخجل، يسقط العقاب.

نظن بسهولة،

ونفشل حتى في الخجل.


كلّنا أبرياء

من دمٍ بقي في العروق،

يوقظ دقّات القلب،

ويضع نهايةً للأقدار

في محكمةٍ بجلسةٍ واحدة،

عنوانها: «حكم البراءة».


ينتهي التصفيق،

وتذهب الحياة،

وكأنها وُلدت

مع كل واحدٍ منّا،

بموعدٍ حدّدته

ساعات الصفر المدوّية.


لم أعد أسمع آهاتكِ، أيتها الحياة،

فقد انشغلتُ بموعدٍ جديد،

والضوضاء تخرج مني.

سأكون هناك قبل مجيء اليوم التالي.


حتى ذاك الوقت، سأكون صامتًا،

بموجب مرسومٍ

سأقرأه عليكِ.


أنتِ الحياة،

وأنا هنا أتقلّب.


دريسدن – طاهر عرابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

هواجس بقلم الراقي سمير الزيات

 هواجس ــــــــــــ أَرَانِي وَقَــدْ هَــامَ الْفُــؤَادُ مُغَــرِّدًا         أَهِيــمُ وَحِـيدًا فَـوْقَ أَجْنِحَـةِ الْيَـأْسِ فَلا...