في رام الله، حيث تنام المكاتب فوق أحلامٍ أُجهِضت، تجتمع السلطة الفلسطينية في قصرها الفاخر، خلف أسوارٍ مزخرفة بكلمات "الوطنية"، وحولها أطفالٌ يفتشون عن وطنٍ تحت الأنقاض.
في الداخل، حيث السجاد الأحمر يمتص خطى القادمين، وحيث الطاولات تلمع بألوان الصفقة، يقف مسؤولٌ ببدلة أنيقة، يحمل ملفًّا يحمل عنوان: "كيف نخدم الاحتلال دون أن نبدو خونة."
"الاستراتيجية بسيطة!" يقول المسؤول وهو يرفع إصبعه كأنه اكتشف نظرية جديدة:
"نطارد المقاومة أكثر مما يطاردهم الاحتلال، لأننا أذكى. نعتقلهم قبل أن يصلوا إليهم، وبذلك نثبت ولاءنا... عفوًا، أقصد حكمتنا!"
الجميع يصفق، وكأنهم في عرضٍ مسرحي، بينما في الخارج، يسأل شهيدٌ نفسه:
"هل ماتت رصاصتي مرتين؟ واحدة في صدر العدو، وأخرى في ظهر أخي؟"
يواصل المسؤول كلماته التي تُصاغ بدقة مثل كعك العيد، لكنها تُطعَّم بالخيانة:
"المقاومة تُفسد علاقاتنا مع الجيران... أقصد أعداءنا... أقصد، حسنًا، مع شركائنا! علينا أن نبني اقتصادنا، وأن نحافظ على الاستقرار، ولو كان ذلك يعني الاستقرار على جثث الأطفال."
في زاويةٍ مظلمة، يُلقي أحدهم سؤالاً خجولاً:
"لكن المقاومة هي الأمل الوحيد؟ أليس كذلك؟"
فيُجيبه المسؤول بابتسامة دبلوماسية:
"الأمل؟ دعونا نتحدث عن الأمل حين نحصل على تصاريح جديدة لعبور الحدود. الأمل يكمن في التنسيق الأمني، وليس في الأنفاق!"
وفي هذه اللحظة، ينفجر الجميع في ضحكٍ هستيري، وكأنهم نسوا أن غزة تحترق، وأن هناك امرأةً تبحث عن بقايا أطفالها بين الركام.
"غزة؟" يقول أحدهم وهو يتناول قطعة من الكعك، "هي مشكلة إنسانية، ولكن يجب أن نفصل بين الإنسانية والسياسة. نحن هنا لبناء دولة، وليس لنبش المقابر."
وهكذا تستمر المسرحية، حيث يجلسون في قاعة مكيفة الهواء، يوزعون التصريحات مثل الوعود الفارغة.
بينما في غزة، كان طفلٌ يسأل والده:
"هل السلطة جزء من الاحتلال؟ أم أن الاحتلال جزء من السلطة؟"
والأب ينظر بعيدًا، ويهمس:
"الاحتلال نعرفه... لكنه لا يدعي أنه أبي."
عماد نصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .