حِوارٌ في زَمَنِ الوَجَع
زياد دبور*
نَتَشارَكُ ذاتَ الهَواءِ
نَتَنَفَّسُ ذاتَ السَّماءِ
لَكِنَّ الفَرَقَ بَينَنا
مِقدارُ رَغيفٍ
أَو جُرعَةِ ماء
تَشرَأَبُّ عَينايَ نَحوَ السَّماءِ
فَأَرى نُجومَ اللَّيلِ تَبكي دَماً
يَتَقَطَّرُ في أَكوابِ السَّاهِرين
هُنا فَيلَسوفٌ يَرسُمُ خَرائِطَ العَتمَة
وَهُناكَ عائِلَةٌ تَفتَرِشُ جُغرافيا الظُّلمَة
في المَقهى يَجلِسُ الفَيلَسوفُ
تَتَراقَصُ أَمامَهُ الكَلِماتُ
كَفُقاعاتِ القَهوَةِ السَّوداءِ
يَغرِفُ مِن بَحرِ المَعنى
ما يَروي ظَمَأَ الوَرَقِ
وَعَلى الرَّصيفِ المُقابِلِ
يَغرِفُ الجائِعُ مِن بَحرِ الأَلَمِ
ما يَكفي لِيُغرِقَ العالَمَ
سيزيفُ الفُقَراءِ
يَدفَعُ صَخرَةَ الجوعِ
كُلَّ يَومٍ إِلى قِمَّةِ الحَياةِ
وَفي المَساءِ
تَتَدَحرَجُ أَحلامُهُ إِلى القاعِ
لِيَبدَأَ مِن جَديدٍ
صَباحَ الوَجَعِ اليَوميِّ
في أَحشاءِ الفُقَراءِ صَليلٌ
يُخرِسُ كُلَّ الفَلاسِفَةِ حينَ يَصيحُ
صَوتُ المَعِدَةِ الخاوِيَة
أَعلى مِن كُلِّ الخُطَبِ العالِيَة
في مَتاهَةِ المَدينَة
تَتَناثَرُ الأَسئِلَةُ كَأَوراقِ الخَريفِ:
هَل يَعرِفُ الفَيلَسوفُ طَعمَ الخُبزِ المُرّ؟
هَل جَرَّبَ النَّومَ عَلى سَريرِ الخَوف؟
هَل ذاقَ مَعنى أَن تَكونَ إنساناً
يَبحَثُ عَن وَطَنٍ في الهَواء؟
في خَيمَةِ النّازِحينَ
يَجلِسُ طِفلٌ يَرتَجِفُ
يَقرَأُ كِتاباً عَن الوُجودِ
ثُمَّ يَسأَلُ بِحَيرَةِ الحُكَماءِ:
"إِذا كانَ الوُجودُ يَسبِقُ الماهِيَّة
فَهَل الجوعُ يَسبِقُ الإِنسانِيَّة؟
وَإِذا كانَ التَّفكيرُ يُثبِتُ الوُجود
فَهَل يُثبِتُ الخُبزُ إِنسانِيَّتي؟"
الفَيلَسوفُ يَكتُبُ:
"في كُلِّ أَلَمٍ حِكمَة"
الجائِعُ يَصرُخُ:
"وَفي مَعِدَتي نارٌ تَلتَهِمُ الحِكمَة"
المُثَقَّفُ الواعي يَتَأَمَّلُ:
"بَينَ الحِكمَةِ وَالنّارِ
تولَدُ ثَورَةُ المَعرِفَةِ
حينَ يَصيرُ الأَلَمُ مُعَلِّماً
وَالجوعُ فَلسَفَة"
في مَدرَسَةِ الحَياةِ
يَقِفُ المُعَلِّمُ الأَوَّل:
الجوعُ يُعَلِّمُ الصَّبرَ
البَردُ يُعَلِّمُ التَّحَمُّلَ
الظُّلمُ يُعَلِّمُ الثَّورَةَ
الوَجَعُ يُعَلِّمُ القُوَّةَ
وَالحُلمُ يُعَلِّمُ المُستَحيل
في نِهايَةِ اللَّيلِ
يَلتَقي الفَيلَسوفُ وَالجائِعُ
عَلى مائِدَةِ الفَجرِ
يَقتَسِمانِ رَغيفَ الضَّوءِ
وَيَكتُبانِ مَعاً
فَلسَفَةً جَديدَةً
حِبرُها دُموعُ الفُقَراءِ
وَأَوراقُها خُبزُ الحِكمَةِ
وَكَلِماتُها صَرخاتُ الجِياعِ
تَرتَقي سُلَّمَ العَدالَةِ
نَحوَ فَجرٍ جَديدٍ
يَتَساوى فيهِ الخُبزُ وَالحِكمَة
تَسقُطُ الحَواجِزُ
بَينَ العَقلِ وَالجَسَدِ
وَيولَدُ إِنسانٌ جَديدٌ
يَحمِلُ في يَدٍ كِتابَ الحِكمَةِ
وَفي الأُخرى رَغيفَ الكَرامَة
*. © زياد دبور ٢٠٢٤
جميع الحقوق محفوظة للكاتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .