في زاوية المقهى
في زاوية هادئة من مقهى،
كانت الطاولة صغيرة،
لكن المسافة بيننا
كانت تتسع لما عجزنا عن قوله.
كنا نتحدث عن الأيام...
عن الطقس...
عن اللاشيء،
وصوته يشبه دفء شتاءٍ
تأخر كثيرًا.
ثم سكت،
وسكتُ...
وفجأة، دون أن ينظر إلي،
قال:
"لو كنتُ يومًا زهرة...
لاخترتكِ مطرًا."
ابتسمتُ بخفة،
وأنا أراقب البخار يتصاعد من فنجاني:
"لكن المطر قد يفسد الزهر أحيانًا..."
ضحك بخفوت،
كأنه يعرف ما لا أعرف،
وقال:
"بعض الزهور
لا تنمو إلا بالمطر،
هي تعرف أن الماء قدرها،
وأنها خُلقت له."
خفضتُ رأسي،
وتركتُ الصمت
يجيب بدلاً عني...
ثم قال، بصوت يحادث الفراغ:
"أتعلمين؟
بعض الأشخاص يسكنون اللغة،
كل كلمة منهم
دعوة للحب،
وكل صمت...
قصيدة غير مكتملة."
فقلت،
وأنا أعبث بطرف ثوبي،
هربًا من صدقه:
"أنا لا أجيد فهم التلميحات."
ابتسم،
ورفع عينيه نحوي أخيرًا،
وقال:
"إذن سأظل أقولها بطرق أخرى...
سأكتبها في قهوتك،
أخبئها بين صفحات كتبك،
أعلقها على المرايا،
وأوشوش بها الريح حين تمرين...
حتى تفهميني،
أو حتى تقولي: كفى."
لكنني لم أقل "كفى"،
ولم أفهم تمامًا...
كل ما فعلته
أنني خبأت كلماته في جيب قلبي،
وأدرت وجهي عن المطر،
لأخفي ارتباكي.
كان يمكنني أن أقول شيئًا...
أي شيء.
لكنّي خفت أن تنبت زهرة
لا أملك لها جذورًا.
بقلم: عبير ال عبد الله 🇮🇶
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .