بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 يونيو 2023

قراءة في نص المبدعة/عربية قدوري ... مرافئ الحنين ..... بقلم... الأديب الناقد د. زين المعبدي

 قراءة في نص المبدعة/عربية قدوري ... مرافئ الحنين .

توطئة لابد منها:
**التناص**
 هو تزاحم أو تداخل النص مع نصوص أخرى أو أخذ أجزاء منها
كما هو الحال في النص الذي نطالعه(هل أتاك حديث قلبي) ؟
وأول من تحدث عن التناص بطريقة غير مباشرة هو الشكلاني الروسي (ميخائيل  بكتين) في كتابه المعروف [فلسفة اللغة ] .
ثم أتت تلميذته البلغارية  الفرنسية (جوليا كريستيفا ) عام 1966
وتحدثت عن التناص وقالت :
 إنه عبارة عن لوحة فسيفِسائية  من الإقتباسات.. 
ثم أتى بعدها الناقد ( جيرارجنيت  )
 وإهتم بهذا المجال وقال:
 أن النص يهرب من ذاته ويتعالى ويبحث  عن شيء آخر ليحيا حياة آخرى بمجاورته أو الإستقرار في أعماقه أو مُسايرته على الأقل .
ومن هذا المنطلق
 يصبح النص  متفرع ،ومتشعب بيدَ أنه أحيا التراث وتزامن معه.
 لذلك يقول بعض النقاد أن من يستعمل التناصات في كتاباته أشبه بمن يكتب على صحيفة من جلد أو ورق رقيق كان مكتوب عليها من قبل  ومُحيت تاركةّ أثر فيبدأ المبدع يسطر عليها الجديد بيد أن  الجديد لم يستطع إزالة عبق وجمال القديم .
والخلاصة:
 التي وصلتنا عن طريق الناقد جيرارجنيت أن التناص له طرفين أساسيين .
1_كل نص هو تناص لنص  سابق .
٢_التناص يعيش داخل النص المنفتح أللامتناهي في تأويلاته كما في هذا النص الذي نطالعه للمبدعة / عربية قدوري
لنذكر طرفي التناص:
(أ)
١_نص متأثر :
وهو النص التشعبي الجديد
وهو هنا كنموذج نص الكاتبة /عربية قدوري
٢_نص مؤثر :
وهو النص الغائب أو المأخود منه النص الجديد .
ولو تطرقنا لواجهة هذا النص 
سنجد التناص هنا تناصاً دلالياً قصدياً لا اعتباطياً /هل أتاك حديث قلبي؟
فالكاتبة هنا تقصد التناص مع الآية الكريمة{هل أتاك حديث الغاشية }آية (١) سورةالغاشية
أو ربما آية أخرى
لتربط نصها بنص قرآني 
كتشريف للنص وكوثيقة إثبات لصدق المشاعر وكذا ربط التراث بالمعاصرة فأكثر من برعوا في تقانة التناص محمود سامي البارودي ومحمود حجازي (كعربيان) وبالمر وفردينال دي سوسير (كغربيان) .
أما الجانب التركيبي
جاء العنوان في صيغة أسلوب الإنشاء لخلق نوع من التشويق والإثارة ودفع المتلقي للقراءة لمعرفة/ حديث القلب/  وهذه لفته بديعية تمنح الذهن الفضول وتشعل العقل بالتفكير ومحاولة صنع أفق توقعات لمتن النص،
إليكم النص:
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ قَلْبِي...؟؟ 

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ قَلْبِي
 أَيَا نَبْضَ المُنَى....!!!؟؟؟
 أَمْ أَتَاكَ طَيْفُ رُوحِي..؟
وَمِنْكَ قَدْ دَنَا!!! 
أَعَلِمْتَ بِمَوْتِي..... وَ أَنَّكَ قَاتِلِي... 
وَأَنَّ رُوحَكَ سِجْنِي ...... أَسِيرُهَا مَنْ جَنَا 

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ قَلْبِي!!!!؟
وَجَاءَكَ مُرسَلاَ أَمْ جَفَاكَ عَنْ وِصَالٍ؟؟..... 
فَأَدْبَرَ وَانْثَنَى!!! 
أَيُبَاحُ القَتْلُ يَوْماً..... وَيُغْفَرُ ذَنْبُهُ؟ 
أَمْ يُعْدَمُ مَنْ تَعَدَّى......... وَخَالَفَ شَرْعَنَا؟؟؟ 
لاَ نَبْضَ يَا فُؤَادِي دُونَ نِيَاطِهِ 
وَمَا مَنْ مَفْرُوقٌ يُقْرَنُ بِالهَنَا 
عَلِيلُ الوجْدِ... مُجْرِمٌ....!!!! حُرِّمَ قَتْلُهُ 
وَجُرْمُهُ حَلاَلٌ، 
يَطِيبُ مَعَ الأَنَا 
هَيْهَاتَ...... يَا حَبِيبِي مَا بَالُكَ مُجْحِفَا!!!؟؟؟ 
حَدِيثُ الْقَلْبِ طِبُّ وَبَلْسَمُ دَائِنَا 
إِلَيْكَ العُمْرُ كُلُّهُ، بِحَرْفِي وَخَافِقِي
 وَبَعْدَ الْعُمْرِ...... عُمْرٌ يَجْمَعُ شَمْلَنَا.

مرافئ الحنين

أيا نبض المنى/أيا حرف نداء للبعيد والأمنيات دائماً تكون بعيدة وكأن البطل يحمل قلبها ويرحل بعيدً وبما ان النبض داخل القلب وهي تنادي النبض  بل وترمز للمنادى أو البطل /بالنبض/ الذي هو داخل القلب ولكنه بعيداً فتناديه لتتوائم المفردتان (المنى) وحرف النداء
 (أيا) فيما يسمى بالتجانس الدلالي
وهي تطرح عليه السؤال وهو بعيد رغم أنه يسكنها (فهو نبض القلب)
لتعرض عليه إجابة سؤالها وتخيره وتلتمس له الأعذار قبل أن ينطقها ذلك البعيد وتستحضرها وهذا يدل على الشفقة من الجانب الإنساني وشدة الحب من الجانب الوجداني.
 ومحاوله البعد عن الفقد الموجود فعلياً والدليل أنها تناديه من بعيد لا كجسد إنما كروح فهو النبض.
فتخلق له أعذار بُعده بتغيير السؤال.
 انظر /هل أتاك
حديث قلبي؟
بمثابة طلقة المدفعية التي ينبثق منها كل الأسئلة واجاباتها ولكن في
 صور جزئية منها ماهو تجسيدي ومنها ماهو تجريدي ومنها ماهو تشخيصي، ولم يخل النص من تراسل الحواس..
فحين نفتت المفردات تصبح كل مفردة وحدة للنص ومنها تتفجر الشعرية المجاوزة لطبيعة المفردات فلا يتم إدراك العلاقة بين الدوال إلا إذا تحقق ابتعاد نسبي عن معناها المألوف...
 مما يسمح بنوع من الرؤية العميقة جزئياً وكلياً على صعيدٍ واحدٍ .
لنجد الشاعرة تتخلص من تكرار أداة الإستفهام ( هل ) الذي يستدعيها السؤال فتستخدم /هل/ومرة  و/أم /مرة /الهمزة/مرة وهنا تظهر براعة الشاعرة في التكثيف وفي التخلص من التكرار الذي يسبب الرتابة والملل.
 لتنتقل الشاعرة ما بين أسئلتها مع نفسها {الأنا العليا} و{الانا الباطنة} والمُوُ.َجِّهةً {للهو الغائبة} فانتقال إلى الإجابات يشبه تماماً الأسئلة، حيث استخدمت أداة النفي لا/ مرة وكانت الإجابة بديهية
/ لا نبض يا فؤادي دون نياطه/ فالنبض دون عروق تغذي القلب وتنعشه ثم تؤكد ذلك أيضاً باستخدام (ما النافية) في قولها /ما من مفرق يقرن بالهنا/ إسقاط بالطريقة الصوفية وكذا  
التناص الدلالي المتقارب مع أشعار أبي الطيب المتنبي حين قال:
نَبْكي على الدّنْيا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ      جَمَعَتْهُمُ الدّنْيا فَلَمْ يَتَفَرّقُوا.
لتضعنا الشاعرة أمام قضية شرعية صوفية تميل إلى أشعار عمر بن الفارض أيضا حين قالت:
/أيباح القتل يوما ويغفر ذنبه؟
أم يعدم من تعدى وخالف شرعنا؟
فمفردة شرعنا وما تحمله من حميمية في دمج الذات ومدى التقارب جعلت للمحبين شريعة خاصة لها قواعد والتزامات لتستطرد:
عليل الوجد مجرم حُرم قتله جرمه حلال... يطيب مع الأنا/
هنا إسقاط على حد من حدود الله وهو القتل الحلال في الإسلام ومن ضمن من كان قتله حلال هو السيب الذاني فحده الرجم حتى الموت
ولكن هنا قد تريد أن تقول :المتسبب منا في الفراق  مُجرم  
قاتل ولكن حرام إقامة الحد عليه فهو أشبه بمن قتل ليقيم حد من حدود الله ( كالحاكم مثلاً)
منتهى التصوف والربط بالتراث 
مع لغة جزلة معطاءة تدل على تمكن الشاعرة من ادواتها وخاصة عند رسم الصور بفرشاة سحرية تحمل عبق التراث .
فهذه الدفقة التعبيرية الصوفية لا تكاد المفرده تجد مؤازره تغليفية من المفردات الأخرى على مستوى التجريد حيث تصل المفردة درجة التفتت حتى تصل لقيمتها في التعامل الحرفي أحياناً دون النظر إلى الناتج الدلالي {هكذا يراها البعض}.
 وهذا التفكيك أو التفتيت الحرفي لا شك أنه مستمد ومعبئ بمحمول تراثي من الإيقاع في القران الكريم وبعض الصور، مما يدفع الخطاب إلى كم هائل من التاويلات التي يحتملها أو لا يحتملها النص وهذا في حد ذاته يجعل المتلقي في حالة إرهاق تجميعي بفعل محاولات لَمْ الشتات الممزق، وكذلك يحاول جمع المتفرقات وتلك الكثافة الدلالية تجعله يغوص في الأعماق لا من أجل ان يسبح على السطح بل من أجل التعمق.
فاللغة :
سهلة سلسة مستفيضة ينبثق منها العديد من الاشتقاقات التي توحي بتمكن الكاتبة وانتماؤها لأصل اللغة وهو القران الكريم مع وجود حذف وإضمار بوضع نقاط فالمحذوف معروف على الرغم من غيابه ويمكن تقديره بسهولة لأنه مفهوم من سياق الجملة وهذا يؤكد حقيقة اللغة العربية وميلها إلى {الإيجاز} إلا أن ما يؤخذ على الكاتبة هو {الإسهاب} في استخدام علامات الترقيم .. فقد فاستخدم بعض الفصلات أحياناً في غير موضعه كما وضعت نقاط في أماكن لا تستحق او تستدعي ذلك ومثال  ذلكوضع نقاط بين السؤال الإنشائي

الايقاع:
كما ذكرنا إيقاع مستمد من صور القران الكريم مع بعض الحركات الخفية بين بعض المفردات
كما أن وجود حروف الهمس بكثرة يوحي بمدى الألم والمعاناة  في تلك التجربة الشعرية مثال حرف /ث /ه‍ /س /ش/ ك/..... إلخ .
الموسيقى:
جاءت خافتة بسبب طول السطر واستخدام بعض أساليب الانشاء المشوقة مما يعطي اثارة ومتعة وكذا إظهار مدى الألم والمعاناة التي تمر بها الكاتبة أو البطلة كما ذكرنا آنفاً.
التجربة:
 ذاتية متحدة العضوية فالنص بمجملة صورتين كليتين أحدثتا  مفارقة فجة..
 فبعد العتاب واللوم والمعاناة الواضح في المفردات:
الفراق / القتل الحلال/ الإعدام / .....الخ
ظهر الجانب الإيجابي المبهج المشحون بالأمل
طب/ وبلسم/ وخفقان/ جمع الشمل......
هذه المفارقة الكلية ربطت ما بين التراث( القران وتناص المتنبي)
وبين المعاصرة.

( رؤية خاصة )
سلم يراعك 

## زين المعبدي ##

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

انا للأرض بقلم الراقي مروان كوجر

 " أنا للأرض " كلما هممت ببوح حزني أخجلني قول ربي                                      وبشر الصابرين خجول النفس من صبر جفاها     ...