ما زلتُ طفلاً
زياد دبور *
تَعَبتُ من التظاهرِ بالكِبَر
وأنا ما زلتُ ذاك الطفلَ في عينيكِ
أُخبِّئُ في جيوبي قطعَ السُكَّر
وأحلُمُ أن تُعيدي مَسحَ دمعي بكفَّيكِ
في المرآةِ وجهٌ غيَّرَ الزمنُ ملامِحَه
لكنَّ القلبَ.. يا أمي.. هو القلبُ
ما زالَ يبحثُ عن حِكاياتِكِ المُلوَّنةِ
ويشتاقُ لِعطرِ الخبزِ حينَ تَعودينَ من التَعَبِ
أجلسُ في المساءِ على مقعدي المُريح
وأتذكَّرُ كيف كنتُ أجلسُ في حِجرِكِ
أنظرُ للسقفِ وأسألُكِ عن النجومِ
وأنتِ تنسجينَ الكونَ من خيوطِ صبرِكِ
كَبُرَ جسدي.. وصارَ لي أطفالٌ
وصرتُ أفهمُ معنى خوفِكِ عليَّ
وكيف كنتِ تسهرينَ على وجعي
وتخبئينَ دموعَكِ خلفَ ابتسامةٍ حانية
في كلِّ صباحٍ أشربُ قهوتي وحدي
وأبحثُ عن صوتِكِ في فنجاني
عن تلك النصائحِ التي كنتُ أتجاهلُها
وأدركُ الآن أنها كانت خارطةَ أماني
أمسحُ عن مكتبي غبارَ الأيام
وأجدُ طفلاً يركضُ في ذاكرتي
يرتدي ثوبَ العيدِ الذي خِطتِهِ
ويضحكُ بفرحٍ حين يراكِ تنظرين إليهِ
تمرُّ السنونَ وأنا أحملُ صورتَكِ
في محفظتي، في قلبي، في عيني
كلما ضاقت بي الدنيا أناجيكِ
وأسمعُ همسَكِ: "لا تخف، أنا معكَ يا بُني"
ما زلتُ أبحثُ عنكِ في تفاصيلِ البيتِ
في رائحةِ الياسمينِ، في نسماتِ الفجرِ
في دعواتِكِ التي ما زالت تحرسُني
وفي كلِّ دمعةٍ تسقطُ على خدِّي
كبرتُ كثيراً يا أمي.. وتعلَّمتُ
أنَّ الحُبَّ لا يموتُ بموتِ الأحباب
وأنَّ الطفلَ يبقى طفلاً في قلبِ أمِّه
حتى لو غطَّى الشيبُ كلَّ الأهداب
يا نجمةً في سماءِ عمري البعيد
يا وطناً يسكنُ في تفاصيلِ روحي
سامحيني إن كنتُ مقصِّراً يوماً
فما زلتُ طفلَكِ.. أحتاجُ إلى بوحي
وحين يسألونني: "كيف حالُك اليوم؟"
أجيبُ بابتسامةٍ تُخفي حنيني إليكِ
وأقولُ في سرِّي: "ما زلتُ يا أمي
أنتظرُ أن تفتحي الباب.. وتحتضني"
*. © زياد دبور ٢٠٢٤
جميع الحقوق محفوظة للشاعر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .