«البقاء داخل البقاء»
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – كُتبت في 18.12.2025
في صباح كل يوم، نتذكّر أن البقاء ليس مجرد استمرار،
بل هو تجربة صامتة، حركة في الداخل، وانعكاس على الخلايا التي تحنّ على نفسها.
هذا نص عن البقاء داخل البقاء، عن الغربة التي لا تكون غربة،
وعن الحماقة التي تستنجد بنفسها.
متى ننتصر للنهار ونحن ندور مثل رحى،
ولا نجد من يضع فيها ما يثبت وجودها؟
أدواتنا فقدت معناها،
وتحتاج إلى خلايا توقظ الحواس.
وعن ولادة هذه القصيدة أُحدّثكم:
“وُلِدت هذه الكلمات اليوم، في صباحٍ متأنٍ،
بين الخلايا والحواس،
بين صمت الجسد وحركة الفكر.
وُلِدت من حاجةٍ للتوقّف،
للتأمّل، للبقاء مع النفس وسط الغربة والحماقة
والنهار الذي يدور مثل رحى.
لا قمح يشبه التفاؤل،
ولا طحين يخرج يشبه البهجة.
نبحث عن لحظةٍ صافية،
لحظة ولادة، حيث يتحوّل التأمّل إلى شعر،
والحياة اليومية إلى تجربة وجودية كاملة.
لم نفشل…ولكننا نحاول.”
⸻
البقاء داخل البقاء
في هذا الصباح تكلّمتُ مع خلايا جسدي،
وتركت الحواس الخمس تحنّ على بعضها
دون إرهاقٍ لها:
أعمى، أطرش، وأنف مغلق، واللسان معكوف،
واليدان زنار البطن؛
الكل حرّ في وداعته.
لم أنظر من النافذة،
ولم أتأكّد أن الشمس طلعت،
ولا أن الهواء يكفي لنا وللشجر.
أفهمتُ الخلايا دون أن أراها،
أن تبقى سعيدةً في هذا النهار،
محاولةً فهم البقاء داخل البقاء.
لستُ راحلًا ولا مسافرًا،
سأبقى على كرسيٍّ، أشرب قهوةً بلا طعم،
وأستمع إلى ارتعاش الحشرات دون أذن؛
كلها نفقت ليلًا قرب المصباح.
ماتت بلسعةٍ متجزئة وخاطفة،
لتقهرها ساعات،
ولا أعلم إن كانت ترغب بالطيران،
أم أنها تشتم الضوء.
فجأةً تعلّمت شيئًا حزينًا،
مثل الحركة في المكان،
ولم تتعلّم الموت؛
فهو ليس أكثر من انطفاء بلا عودة.
بعد القهوة،
اسمحوا لي أن أتأكّد من ابتساماتكم.
لن أفكّر بشيءٍ اليوم،
كما كنت أفعل هربًا من الحماقة،
حتى وقعت بحماقة الخروج من الحماقة،
مرهقةٌ، تلك الحماقة التي تستنجد بنفسها.
تذكّرون
كيف أكّدتُ ونفيتُ، تعجّبتُ وكرهتُ،
مشيتُ ووقفتُ، ابتهجتُ وحزنتُ؟
تذكّروا جيدًا:
إنها الحماقة في ثوبٍ نخيطه،
ولا نلبسه؛ هو يلبسنا.
سأبقى اليوم تمثالَ شمعٍ،
يتحرّك حول نفسه،
يراقب الهزائم المديدة،
يحتقر التكاسل
في ترسيخ قواعد البهجة،
ولا يبحث عن البهجة،
لكونه شمعًا.
نهارٌ واحد نتفق فيه:
أنا شمع، وأنتم صقيع.
الغربة في المكان، أعزّائي، كانت تجربة،
وهي ألّا تكون غريبًا.
كيف نفهم أن نكون معنا
في أنفاسٍ تغتسل بهوائها،
وصالحةٍ للاختناق
بنصف دمعة.
دريسدن – طاهر عرابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .