تراتيلُ الوجودِ الخفيّ
أُصْغِي لِمَا لَا يُسْمَعُ،
لِرَجْفَةٍ تَعْبُرُ العَدَمَ،
حِينَ يَفْتَحُ الوُجودُ
نَافِذَتَهُ السِّرِّيَّةَ فِي الدَّاخِلِ.
يَمُرُّ الصَّوْتُ
كَطَيْفٍ لَا اسْمَ لَهُ،
يَتَكَسَّرُ فِي دَمِي
نُقَطَ نُورٍ،
وَيُعِيدُ تَشْكِيلَ خُطَايَ
عَلَى مَهَلٍ،
كَأَنَّنِي أَوَّلُ العَابِرِينَ.
أَمْشِي…
لَا الأَرْضُ تَحْتِي،
وَلَا السَّمَاءُ فَوْقِي،
بَيْنَهُمَا
مَدًى يَتَنَفَّسُنِي
وَأَتَنَفَّسُهُ.
تُنَادِينِي الأَشْيَاءُ
بِأَصْوَاتٍ لَيْسَتْ لَهَا حُرُوفٌ،
تَقُولُ:
تَعَالَ كَمَا أَنْتَ،
دُونَ ذَاكِرَةٍ
وَدُونَ وَعْدٍ.
أَرَى الوَجَعَ
يَتَحَوَّلُ إِلَى مِزْمَارٍ،
وَالحِرْمَانَ
إِلَى مِفْتَاحٍ خَفِيٍّ،
يَفْتَحُ أَبْوَابًا
لَا تَحْتَاجُ جُدْرَانًا.
تَدُورُ الأَزْمِنَةُ حَوْلِي
كَحَلَقَاتِ مَاءٍ،
وَكُلُّ بِدَايَةٍ
تَلْبَسُ قِنَاعَ النِّهَايَةِ،
وَكُلُّ نِهَايَةٍ
تَبْتَسِمُ كَبِذْرَةٍ.
أُصَافِحُ الصَّمْتَ،
فَيَمْتَلِئُ كَفِّي
بِضَجِيجٍ شَفَّافٍ،
وَأَعْرِفُ
أَنَّ الوُجُودَ
لَا يُقَالُ…
بَلْ يُرَتَّلُ.
وَأَتَقَدَّمُ أَكْثَرَ…
حَيْثُ يَخِفُّ الوُجُودُ مِنْ وَزْنِهِ،
وَتَتَعَلَّمُ الخُطُوَاتُ
كَيْفَ تَسِيرُ دُونَ أَثَرٍ.
هُنَاكَ،
تَتَعَرَّى الأَسْمَاءُ مِنْ مَعَانِيهَا،
وَيَصِيرُ السُّؤَالُ
مِرْآةً تُحِبُّ الصَّمْتَ.
أَلْمَسُ الزَّمَنَ
فَيَتَحَوَّلُ إِلَى نَبْضٍ،
وَأَحْمِلُ القَلْبَ
كَمَا تُحْمَلُ الشُّعْلَةُ
فِي مَهَبِّ الرِّيَاحِ.
لَا شَيْءَ يَسْقُطُ هُنَا،
كُلُّ شَيْءٍ يَتَحَوَّلُ،
حَتَّى الأَلَمُ
يَتَعَلَّمُ أَنْ يُغَنِّي.
وَأُدْرِكُ أَخِيرًا
أَنَّ الطَّرِيقَ
لَمْ يَكُنْ يَقُودُنِي،
بَلْ كَانَ
يَتَشَكَّلُ
خُطْوَةً… خُطْوَةً
مِنِّي.
وَأَمْضِي أَعْمَقَ…
حَيْثُ تَذُوبُ الحُدُودُ
بَيْنَ السُّؤَالِ وَالجَوَابِ،
وَيَصِيرُ التَّوَقُّعُ
ظِلًّا لَا يَلْحَقُ بِنَا.
أَجِدُ نَفْسِي
فِي فَجْوَةٍ مِنْ نُورٍ،
لَا بِدَايَةَ لَهَا
وَلَا خِتَامَ،
فَأَتَعَلَّمُ
أَنْ أَكُونَ
دُونَ تَعْرِيفٍ.
تُحَاوِرُنِي الرِّيحُ
بِلُغَةٍ تَعْرِفُنِي،
وَتُصَحِّحُ نُطْقَ أَسْمَائِي
كُلَّمَا نَطَقْتُهَا خَاطِئَةً.
أَرَى القَلْبَ
يَتَّسِعُ لِلْخَسَارَةِ
كَمَا يَتَّسِعُ لِلضِّيَاءِ،
فَأَفْهَمُ
أَنَّ الكَمَالَ
مُجَرَّدُ اتِّسَاعٍ.
وَحِينَ أَصِلُ
إِلَى نُقْطَةِ اللَّا رُجُوعِ،
لَا أَلْتَفِتُ،
لِأَنَّ الخَلْفَ
صَارَ أَمَامًا،
وَأَنَّ الطَّرِيقَ
تَعَلَّمَ
أَنْ يَسِيرَ فِيَّ.
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .