أطياف السقوط وإرتعاش الروح
أ.شلال الفقيه
ويحدثُ أن أتنقل بين صفحات دفتري القديم، أدوّن مشاهداتي العجائبيّة، أحلم بخريطةٍ تُمزق من طيّاتها سطور الألم، أحلم بأنّي أرسم الهواء الساكن، رئة الكون، بريشةٍ لا تُبقي مكانًا للأسى.
يحدث أن يأخذني موج الشجن بعيدًا عنّي، فأترك سلامي الواهي وأحمل حقيبة ظهري خفيفة، خفيفةٌ جدًا، لا تكاد تكفي الطريق، ولا تُغني عن غُربةٍ تلوح من بعيد.
يحدث أحيانًا أن لا أدري ما سيأتي،
أحسّ بثِقل الذنوب كغزالٍ يرتجف في مفترق طرق،
لا يعرف لماذا يخاف،
ثم تأتي العواصف،
فيُعلن العُلماء نظرياتهم،
ويهزّ الغزال قرنيه الصغيرين،
متعجّبًا من كلّ هذا اليقين الواهن.
من يدري؟
يحدث أن أسأل: من يعرف شيئًا يقينًا بغير إيمانٍ يرفض الشكّ؟
ومن يستطيع في هذه اللحظة أن يمنح المنسيّ ابتسامةً لا تُشترى،
ولا علاقة لها ببضاعة العالم الواهية؟
يحدث أن يلفّني إحساسٌ بالعبث،
فأنطوي،
أتمنّى لو أملك عدسة سينما،
لأصوّر انكسارات الوجود التي لا تشعر بها إلّا الأرض،
يحدث أن أتمنّى عينًا مجهريّة،
لأرى ذرّات الغبار والرّمال،
تتلوّى ألمًا تحت دمعة طفل،
أو انكسار روح في مواجهة الجوع واليتم.
يحدث أن أرى من نافذتي ذلك الجار،
الرجل الذي لا يكاد أحدٌ يعرفه،
يجرّ عباءةً بالية،
يُمسك بيد ابنه الذي تجاوز الصغر بجسده وبقي فيه بروحه،
يمسح بكمّه ريقه،
يُقدّم للخبّاز ريالًا مهترئًا،
فيُخبره أن الخبز الطازج قد نفد،
وأن عليه أن يمشي إلى الدكان البعيد.
فيهوي أراه يهوي،
تتراخى كتفاه،
تسقط يده من يد ابنه،
يسقط الريال،
يسقط هو.
ويحدث أني لم أعرف معنى السقوط إلا في تلك اللحظة.
يحدث أن أحمل داخلي متاهتي،
وأرتدي قناع منقذٍ لا وجود له،
ويحدث أن يُلقي عليّ الأصحاب لوماً،
ويحدث أن لا أبالي،
فأغرق في البكاء،
أبكي الجار وابنه،
أبكي الألم الذي لا دواء له،
أبكي بحثًا عن راحةٍ تليق بروحٍ منهكة.
يحدث أن لا يغيب الماضي،
ولا يأتي النوم،
ولا يُرتق ذلك الثّوب الممزّق من الأمان.
ويحدث أن لا أريد الكمال،
بل أريد أن أعرف كم نحن صغار،
كم نحن كذرّةٍ في فضاءٍ لا يرحم،
فأشعر أني سجين نفسي،
أحاول أن أهرب مني،
و ليس هناك الآن ما يُروي ذلك الظمأ العميق في الروح .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .