دروس في الصبر
عمر بلقاضي
المسلم في عالَم
اليوم مستهدفٌ بالطَّعنات ، معرّض للنّهشات ممرّغ في المعاناة ، تنوء به
الآهات والأنَّات ، وقد يُبرِّح به ألم الظّلم والخذل ، ويهوي في هاوية
اليأس والشّعور بالضّياع في الحياة، فيفكِّر في الانتحار الحسِّي والمعنوي
بالاستسلام الذّليل للمعتدين الغزاة، فيخسر الدنيا والآخرة، لذلك وجب عليه
أن يتصبَّر بقوَّة مستحضرا معاناة الأوَّلين، وجزاء الصابرين، وسِيَر
الأنبياء والصالحين، والتي فصَّل فيها القرآن وأوجز بأسلوبه الشّيِّق
المعجز، لتكون نبراسا لذوي الآلام المزلزلة، والمآسي المخلخلة
والقصيدة تذكير بتلك الدُّروس ، من أجل تحمُّل الفتنة الضَّروس ، والثبات في مواجهة الأعداء رضا بالقضاء وطلبا للجزاء
وهي مهداة لكل مسلم واقع تحت وطاة البلاء مزلزل برجات المظالم والأرزاء.
*****
مهما قَسوتُم فلن تقضوا على جَلَدي ... ولو نزلتم بسفُّودٍ على كبِدي
مهما قسوتمْ فإن الصَّبرَ يعصمني ... ويورِثُ القلب حبَّ الواحد الصَّمدِ
أستغفرُ الله من شكوى جهرتُ بها ... إلى ضعيف فزاد الله في كمَدي
أستغفرُ الله من آهٍ زفرتُ بها ... يومًا لضُعْفٍ ورُمْتُ العونَ من أحَدِ
العيشُ دربٌ وميدانٌ لغربلةٍ ... بالهمِّ والغمِّ والآلام والنَّكدِ
لا يخلُوَنَّ ولِيُّ الله من وجعٍ ... بالضرِّ يلحقه أو طعنة اللُّدَدِ
أو فقرِ ذات يدٍ يُزري بقيمتِه ...أو مؤمنٍ بالأذي يُشقيه والحسَدِ
أو بالقرينِ الذي تُشقِي فظاظتُه ... أو بالعقوق وسوء الحال في الولدِ
اذكرْ مصيبةَ نوحٍ في الورى عَظُمتْ ... في أسرةٍ خَذَلتْ أو نَفرةِ البلدِ
اذكرْ مصيبةَ أيُّوب وقد فَتكَتْ ...به المواجعُ و امتدَّت مع الأمدِ
اذكرْ مصيبةَ يعقوبٍ بنازلةٍ ... يشوي ضناها طريَّ القلب والكبِدِ
اذكرْ مصائب طفلِ الجُب مُعتقدا ... أنَّ التَّصبرَ والتَّقوى علوَّ يدِ
اذكرْ عذاب سجينِ الحوت مُتَّخذا ... من استغاثة بطن الحوت نورَ غدِ
اذكرْ مخاوفَ موسى في بذاذته ... في وجه غطرسة الفرعون لم يحِدِ
اذكرْ توكُّل إبراهيم مُعتبراً ... ما ضرَّه لهب من نقمة الجنُدِ
اذكرْ بلاءً هوَى كالسَّيف من رحِمٍ ... على البتول وعيسى المرسل الزَّهِدِ
اذكرْ طهارة أهل الكهف إذ هربوا ...بالدِّين من بُؤرِ الكفران واللَّدَدِ
اذكرْ حكاية أخدودٍ ومن فُتنُوا ...في الله بالنَّار قد عزُّوا إلى الأبدِ
اذكرْ مصائبَ خير الخلق إذ نزلتْ ...به المواجعُ من قذفٍ وفي أُحُدِ
وفي ثقيفَ وقد أزرى الرِّعاع به ... وما تجشَّم من جوعٍ ومن كبَدِ
ومن نفاقٍ ومن كُرْهٍ أحاط به ... ومن طِعانٍ لدى الرَّايات والبنُدِ
كم صالحٍ صابرٍ يزهوالصَّلاح به ... يُؤذَى بلا سببٍ من فاسقٍ نَّكِدِ
اذكرْ فإنَّ دروسَ الصَّبر كافيةٌ ... تثبِّت القلب في الإيمان والرَّشَدِ
اذكرْ وفكِّرْ فلا فوزٌ بِلا عَنَتٍ ... فالغيثُ ينزل بعد البرْق والرَّعَدِ
والأرضُ تُنتجُ بعد الحرث دائبةً ... والنَّصر بعد جراح الطَّعن في الجسدِ
وكل والدةٍ يُزري المخاضُ بها ... والكَفُّ تُلسعُ دون الفوز بالشَّهَد ِ
الله يمتحن المختار في فتنٍ ... يرميه بالألم الحاني وبالكمدِ
الله يرفع أهل الضرِّ إن صبروا ... رفعاً يهوِّن كلَّ الضرِّ والنَّكدِ
فالنَّفس تألف وقع البأس إن علمتْ ...أنَّ الصِّعاب مطايا النَّفسِ للرَّغَدِ
كم في الجِنان لدي الرَّحمن من مُتعٍ ... للنَّفس إن صبرت حُباً ولم تَجِدِ
*******
ياعانياً في سجون اليأس منزوياً ... اسأل إله الورى يلحقْك بالمدَدِ
اسأل كريماً عليماً قادراً ودَعَا ... أن تطلب العونَ حين الضرِّ والعُقدِ
كمْ شدَّةٍ بدعاءٍ صادقٍ فُرجتْ ... وكم أسير أسى أنجاه من قُيُدِ
القلب يعمى إذا هام القنوطُ به ... كالعين يطمسها ضرٌّ من الرَّمدِ
والبؤسُ مهما يكظُّ الصَّدرَ غاربُه ... بالصَّبر يذوي كمثل الظلِّ والزَّبَدِ
البؤسُ يفنى ويبقى القلبُ مشتعلا ... بالعزم والنُّور والإحساس يَتَّقِدِ
فاصبرْ إذا هجمتْ هوجُ الهموم وقُمْ ... لله تسعدْ بما تعطى من المَددِ
الصبرُ يُعلي ويأسُ المرء يهلكُه ... تلك الحقيقة لا تنفكُّ عن أحَدِ
بالصَّبر لَمْلِمْ قوى نفسٍ مشتتةٍ ... ولا تطيشنَّ عند إلباس في بدَدِ
اصبرْ وصابرْ وقاومْ غير مُكترثٍ ... فالصَّبر أنفع في البلوى من العُدَدِ
اصبر بتقوى فحبلُ العزِّ عالقةٌ ... بعرش صبر على أركان مُعتقدِ
إن َّالتَّصبر يا مغدور مدرسةٌ ...فعلم النَّفس فنَّ الصَّبر والجلَدِ
الصَّبرُ تقوى وتدريبٌ على مُثُلٍ ... للعزِّ والفوز والإعلاء كالعُمُدِ
فاصبر لتسلمَ لا تنظر الى وطَرٍ ... قد حطَّه الموت والتَّعفيرُ في اللُّحُدِ
*******
الدِّينُ حقٌ فكم في الكون من حُججٍ ... على العقيدة تُعلي الحق للابَدِ
الدِّينُ حقٌّ وآيُ البعث بَيِّنةٌ ... تُقرِّعُ المنكِرَ المغرور من أمدِ
الدِّينُ حقٌّ فيومُ الفصلِ موعدنا ... فليمرح الخائنُ الغدَّار في البلَدِ
الدِّينُ حقٌّ وربُّ النَّاس مُنصفُنا ... فالله يكلؤنا بالحفظ والرَّصَدِ
الدِّينُ حقٌّ وعهدٌ في عقيدتنا ... بالصَّبر نَرعَى حدودَ الله والعُهُدِ
الدِّينُ حقٌّ وحقُّ الموت يطلبُنا ... كم يمكُثُ العبد بين الطَّلقِ واللَّحَدِ
الدينُ حق ودين الحق منتصرٌ ... فليهنإ الصابرُ المغموس في الوَبَدِ
بقلمي عمر بلقاضي / الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .