بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

العزلة بقلم الراقي طلعت كنعان

 العزلة


حين يعم الصمت أجلس بهدوء على طاولتي، أرتشف قهوتي، أرى جحافل العمر تمر قربي، فألقى عليها النظرة الأخيرة، دون أن أودعها، فقد مللت من لحظات الوداع.

وعلى مقربة مني تجلس ملائكتي وشياطيني يغرقون بنقاش بليد حول حياة راحلة وموت لا نعرف نهايته، فينتصر المجهول بحروفه الصماء وموسيقاه القاتمة التي لا تسرق شعاع الشمس، ولا تتذوق صوت العصافير لا تشعر بنسمات الهواء الباردة، ولا يروعه أمواج البحر، حين تصارع همجية الأعاصير. 

ولا تنظر قوس قزح ونسيجه الغريب 

بل تنظر سرعة القطار وعقارب الساعة ومصير السنوات القادمة ورحيل الساعات بغياهب الماضي وذوبان الغيوم، فتغرق بزخات الشتاء الذي أعلن قدومه.

أتحدث وإياهم بلغة غريبة، ويتحدثون إلي بلغة عجيبة يتخللها الرقص وحركات أقرب إلى حركات السحرة، فأخاف أن يقهر إرادة التحدي التي أعاشرها فأنتفض واقفا متحديا جهلهم وابتعادهم عن الواقع.

بالحقيقة هم لا يفهمون حروفي ولا حتى كلماتي ولا ما أعنيه بحركات فمي، ولا عيوني. 

وأكره أن أفهمهم

يتكلمون بضحكات بهلوانية 

انظر إليهم مزدرى

وأرد عليهم بصمت الصمت 

فأنا أكره دعابتهم، حين يحاولون أن يكتشفوا أسرار  

شياطين وحدتي، ويدقون كؤوساً من خمر الخطيئة بحركات بهلوانية 

ويسكنون قريبا من حفرة رأسي 

أحيانا أحاول أن أناقش وحدتهم، يطرقون أبواب صمتي، ويغنون للشرود من الذات والتقوقع بفوهة قنينته من الحيرة والعزلة. 

لأني أعلم أنهم خلقوا من نار فحرارة أفواههم داهية تقتل سكون وحدتي، وصمت همساتي وابتعاد كلماتي. 

أضع صوت أم كلثوم 

أبتلع قهوتي 

وأشعل السيجار لأحرق رقصهم على مسرح صمتي ووحدتي 

ولكن حين أفيق من حلمي اشتاق إلى شياطيني 

لولاهم لقتلني الزهق والوحدة مع فنجان قهوتي لفقد قدرتي على الصراع مع عزلتي.


طلعت كنعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

حلمي الأعزل بقلم الراقي علي عمر

 حُلُمي الأعزلُ بينَ تجاعيدِ ليلٍ هَرِمٍ  لا زالَ حُلُمي الأعزلُ  يرتَعِشُ بينَ مَخالِبِ زَوابعِ الخوفِ والقلقِ في غَياهِبِ كُهوفِهِ  البارد...