بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 يناير 2023

قصة قصيرة ( ملاك شيطاني )... بقلم الكاتبة ابتسام حمود

 قصة قصيرة
( ملاك شيطاني )
 عمّت الفرحة وعلت الزغاريد في بناية الرجال هكذا يسمونها أهل الحي
فهي بناية لعائلة انجبت ست شباب تزوجوا كلٌّ في شقة
غمرت البناية الفرحة بزواج أصغر الشباب من فتاة بهية الطلعة مثقفة واجتماعية، في الشقة المقابلة لشقتها يسكن أحد الشباب وزوجته هدى، هدى امرأة ثلاثينية ممتلئة القوام طيبة المعشر ويحبها كل أهل الحي لطيبتها ومروءتها فهي لم ترزق بأطفال فكانت الأم البديلة لكل شابات الحي حين يلدن فتقوم بزيارتهن باستمرار بل وتساعدهن بالعناية بأطفالهن،
وشاءت الأقدار أن تكون إكرام قادمة من بلدة بعيدة، يتيمة الأم فكانت هدى الأم والأخت والصديقة لهذه الشابة الصغيرة والتي حملت من الشهر الأول
فكانت هدى تمضي نهارها كله مع إكرام تعينها وتعلمها فتطبخان الطعام معا وتأكلان معا وتمضيان اليوم بتبادل الأحاديث التي لا تنتهي والمرح والضحك الذي يسمعه الجيران،
علاقة جميلة كانت الشابتين تحسدان عليها،
أنجبت إكرام طفلتها الأولى واقتسمتها مع هدى فيوم هنا ويوم هناك وكانت هدى تأخذها معها إلى كل مكان تذهب إليه كأنها ابنتها مما أثار غضب الأهل وحاولوا ثني إكرام عن ذلك لكنهم فشلوا فالفتاة كانت سعيدة بسعادة سلفتها ولم تستطيع كسر خاطرها البتة.
في السنة الثانية حملت إكرام مرة أخرى ولكن الحمل لم يتم فقد مات جنينها في الشهر الثاني، وطبعا كانت هدى معها وبجانبها في كل ثانية من حياتها،
خمس سنوات مرّوا والشابتان تعيشان لخدمة بعضهما لم يفرقهما كلام أو ثرثرة ممن حولهما
وضمن هذه السنوات لم يتم حمل لإكرام كل مرة وفي الشهر الثاني يموت الجنين.
وفي يوم من الأيام أصيبت هدى بالسرطان، كان السرطان سريعاً فانتشر في كامل جسدها بمدة قصيرة جداً،
طبعا إكرام كانت الأم والأخت والممرضة والطبيب وفي كل ليلة تغرق وسادتها بالدموع أسى على حال هذه المرأة الحنونة وفي كل ليلة تملأ السماء توسلاً وتضرعاً عسى أن يستجيب الله لدعائها فتشفى.
لكن ولا تجري الرياح كما نشتهي توفيت هدى، تاركة خلفها حزناً عارماً في قلوب كل من عرفها وتحديداً إكرام التي دخلت في حالة كآبة شديدة استدعت العلاج لوقت طويل، كيف لا والراحلة كانت بمثابة أهل لها، كانت المادة الخام للعطف والحنان وخيرها غمرها وجعلته دَيناً معلقاً في رقبتها إلى آخر العمر.
سنة مرّت والحزن يغلف مبنى الرجال ذلك،والحي يسكنه الأسى فقد رحلت مؤنسته وحنونته والأم التي يتّمت الجميع من بعدها.
بعد سنتين ومع انتشار خبر حمل إكرام من جديد دخل أخو زوجها إليها ليبارك لها بالحمل وفي يده ظرف قال أنه وجده بين أغراض هدى وهو يحوي رسالة لإكرام.
زادت دقات قلبها عندما أمسكت الظرف وشعرت بدفئ يسري في أنحاء جسدها، ضمته إلى صدرها واشتمت رائحة غاليتها فيه وانهمرت الدموع حتى كادت تغرق الرسالة، قرأتها وهالها ما رأت من سطور لم تستوعبها إلا بعد تكرار القراءة، فالرسالة كانت رسالة اعتذار، وطلب ملح بالغفران فهدى كانت تعطيها دواء يجهض الجنين في كل مرة تعتني فيها، فالغيرة جعلتها تبيع ضميرها للشيطان وتتّبع تعليماته الشريرة ونسيت العقاب والآخرة.
بكت إكرام كثيراً وعاشت صراعاً قاتلاً بين حزنها على العشرة الطيبة وبين غدر صديقتها وغاليتها.
لم يطل الأمر طويلاً، ذهبت إلى المقابر، وقفت حيث ترقد تلك الشابة التي استطاعت أن تجمع بين الشيطان والملائكة في روح واحدة، وقفت طويلاً والعبرات تكاد تخنقها، ثم ابتسمت وقالت :سامحتك يا هدى
ومضت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

خد الأمل بقلم الراقي هاجر سليمان العزاوي

هاجر سليمان العزاوي      خد الأمل  ضرام في الحشى صامت صوت صراخه مفروض الاختيار  لانامت العين للدمع صاحبة  ولا غفل القلب أنين بين طياته يدار ...