جمهورية الباميا الديمقراطية
بقلم: سيد حميد عطاالله الجزائري
الباميا… ليست خضارًا وحسب، بل هي وزارة كاملة في حكومة الخضروات.
تبدو ناعمة لزجة بريئة، لكنها في حقيقتها مشروع دولة فاشلة: تُزرع بقرار مرتجل، وتُحصد بخسائر بشرية، ثم تُقاد إلى القدر بعد أن أنهكت الفلاحين وكأنها حرب استنزاف طويلة.
كل من يمد يده لقطفها يعود كأنه عائد من جبهة سياسية: جروح صغيرة، حكة جلدية، عرق غزير، ومعنويات محطمة. فهي تمارس "ديمقراطيتها الميدانية" بطريقتها الخاصة، تُعطيك قرنًا وتسرق من جلدك أسبوعًا من الراحة.
قراراتها المستعجلة تكلف ميزانية الدولة مراهم وقفازات وأدوية ضد الحكة، حتى بدت كأنها وباء يتنقل من حقل لآخر. لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها؛ فهي كبرلماني مُحصَّن، يملك أحدث أسلحة التحصين، ويتمتع بحصانة دبلوماسية فوق العادة.
وحين تُلقى في القدر، تتحول إلى مؤتمر وطني مصغّر: تقفز في المرق، تتزاحم، تلتصق ببعضها كما تفعل الأحزاب المتحالفة فقط من أجل الحصص الوزارية. وفي النهاية، المائدة تشبه البرلمان: نصفهم يمدح الباميا ويقسم أنها لذيذة، والنصف الآخر يلعنها ويطالب بإلغائها، لكن الجميع يضطر إلى الجلوس أمامها، لأن "الطبق قُدِّم ولا مجال للانسحاب".
إنها تلبس قناع الدواء فتبدو ككبسولات تشفي الأمراض المستعصية، لكنها في الحقيقة ذخيرة حية قابلة للانفجار عند أي انقلاب شعبي. والمادة الهلامية التي تفرزها ليست إلا دماءً امتصها السياسيون، ليبقوا بعدها بلا لون ولا رائحة، تمامًا كما تفعل الباميا بعد الطهو.
الباميا كأي سياسة مترهلة: مكلفة في الزرع، مؤلمة في القطف، لزجة في الطبخ، وخلافية على الطاولة.
إنها النموذج الحي للسياسة عندنا: باهظة الكلفة، عقيمة النتيجة، مثيرة للجدل… ومع ذلك، نعود إليها في كل موسم، وكأننا لم نتعلم شيئًا من دروس المائدة ولا من دروس التاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .