"أرقُّ العصفور"
قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي
دريسدن – كُتبت في 19.07.2023 | نُقِّحت في 27.11.2025
العصفور يسأل عن السكينة بعد أن أرعبته مخاوف الحياة، فصار يُمجّد الطفولة والأم، وينسى قدرته على الكفاح. ينهره أخوه ويعلّمه الفرق بين الكفاح والشجاعة في مواجهة الظلم. لا بيت يُبنى بلا حماية، ولا شيء يتلاشى ليعود… هذه القصيدة محاولة لفهم العبث والحذر، والفجر الذي يأتي بعد الحيطة.
⸻
أرق العصفور
ويسألُ العصفورُ أخاه،
قريبًا من عشٍّ نقبته الأفعى،
وانطرحت بثقل شبعها
على ما تبقّى من زغب متناثر،
كأنَّ الجشع يكتب فصلاً من عبثٍ لا ينتهي.
وللموت هالةٌ من خشوع الروح
تُظلّل المكانَ برداءٍ لا يفنى.
لا رائحة تغادر الهواء،
والحزن لا يعلو حتى غصنًا من غصون الشجر؛
كلُّ شيءٍ يُعِدُّ نفسه لقصاصٍ يفلتُه النسيان.
ما أصعب أن يتحول الخوف إلى صمت،
وكلاهما موت بلا عنوان.
ستهبّ الرياح إن قُدّر لها أن تشقى،
وينهمر المطر إن قُدّر له أن يترك الفضاء،
ويصير قشُّ العشّ غذاءً للنمل،
ويصعد النمل طامعًا…
فالجشع يلد الانتقام، فيقتل الأفعى،
وتصير حكايةً لن يفهمها الزوال.
من الغباء أن تُلاحق شيئًا يتلاشى؛
فراغٌ يفضي إلى فراغ،
كأنك تطارد ظلًّا لا يثبت في عين تُبصر.
إنها قوة الخوف، تدفع بنا لنضيع ونصير ضحية.
أتفتّت من وهج الحيرة:
أبهذا العش جئنا؟
على قشٍّ وزغب نضحك،
متلحفين برحيق الساعات،
والريش يخفي عالمنا.
وكأننا أفلتنا من فم أفعى،
تحت يقظة أمّي،
التي تزاحم الأسوار بقلبها لئلا يضلّ أحد.
ما أجمل الطفولة،
حين يحرسها حذرٌ يفدي… ولا يساوم،
ولا يترك للأفعى حتى فحيحًا بلا أثر.
يا ليتنا نبني عشًّا على وسادة من حرير،
تنزلق عنها الأفعى،
كأن الموت ينساب على نفسه.
أو فوق قميص نومٍ لحسناء،
تركته للندى،
فصار يرسل عطراً يكفينا،
ويعلو بنا عرسًا في كبد السماء.
ما أجمل التمنيات… ولو كانت تفاهات.
أو هلمّ نجمع حصى، نصفه كبيضٍ مستتر،
فتظن الأفعى أن العصافير قد استوت،
فتبتلع، وتتثاقل حتى تهوي،
ولا تدري كيف هوت.
وهل يأتيها الموت، ولو لم تذنب؟
لا بهجة في الموت لأحد،
غير أنّ الخلاص…
يتزوّج الموت في حسم السكينة.
لم أجرؤ يومها أن أسأل أمي:
هل خُلقنا ضعفاء؟
ولم نرَ في العش خوفًا؛
حنانها ألين من نفَس وردة،
وقلبها يخفق لا شوقًا،
بل خشية أن تبتلعنا الريح،
فنطير… مثل فراشة، أو بذرة شجر.
هل لك قلبٌ كقلب أمك لتبني عشًّا،
والعالم يستشعر البؤس،
والأفاعي تتلوّن وتتلوّى على الأغصان،
وكلُّ شيءٍ صار يرزح تحت عبء الخيانة؟
وغربة الوفاء… هل صارت غبارًا محببًا؟
كيف نبني عشًّا على غصن نادوه حطبًا…
ليبتهجوا بالنار؟
وهم يشربون قهوة البراري.
ليتنا موجةً في بحر؛
تموت ألف مرة، وتلد ألف مرة،
والأم… صدر لا يفنى.
لا حبّ أصفى منه،
وكل حبٍّ نسعى إليه لنَهْرُب،
ليس حبًا بل خيبة.
لو عرفنا كيف ستكون النهاية، لما بدأنا.
طار أخوه، وحط فوق الأفعى،
ونقر عينها وقال لأخيه واثقًا:
«لولا الأخوّة وواجب الغفران،
لحزنت منك مدى العمر.
لكن كيف تحزن على الجرأة في الحياة؟
وأنت لا تدري من أي ضوء يأتي النهار.
ليتك تُبصر صورتك بعين المتفائل،
لا بعين الخوف والانكسار.
غادر إن شئت…
فبين القصرين طريقٌ ليس قصرًا،
بل بلاغٌ للحياة؛
ولا طريقَ في القصر؛
حتى الملوك يخشون الطرقات.
فأيُّ عشٍّ يحميك
إن لم تكن سيدًا على الطريق؟
اتّبع خطاك بين اليقظة والحكمة؛
فإن لم تكن أفعى،
فسيكون فوق الطريق صقرٌ…
فيه ظلُّ أفعى، وأنت الفريسة.»
طاهر عرابي – دريسدن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .