بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 يونيو 2025

يا أم موسى بقلم الراقي د.عبد الرحيم جاموس

 يا أُمَّ موسى...

نصّ بقلم: د. عبد الرحيم جاموس


في زمنٍ يُستعاد فيه اسم موسى كلما أراد الغزاةُ أن يُبرِّروا نارهم، وفي زمنٍ تفقد فيه الأمهاتُ أبناءَهنّ على ضفافِ الخوف، لا في صناديقِ الطمأنينة...

يعود السؤالُ أكثرَ ألمًا: كيف صار أتباعُ موسى سوطًا في يدِ الفراعنة الجدد ...؟

وكيف صارت أمهاتُ فلسطين يعبرْنَ الوادي بلا عصا،

ويكتمْنَ أنينهنّ خلف قنابلِ الفوسفور...؟!

هذا النص ، نداءٌ من قلبِ الوجع،

تغنّي فيه أُمُّ موسى من شاطئِ غزة،

وتحملُ في قلبِها سؤالَ التاريخ:

ماذا لو عاد موسى؟

 وهل سيعبرُ مع الشعب... أم يجدُ نفسَه منفيًّا من جديد؟


النص:


يا أُمَّ موسى...

حين أودعتِ الرضيعَ الماءَ،

ما كنتِ تدرينَ أنَّ البحرَ ذاتَ يومٍ

سيرتدُّ نارًا تبتلعُ الأبرياء،

وأنَّ العيونَ التي رعتْ صندوقكِ الخشبي،

ستغضُّ الطرفَ ..

 عن جثثِ الصغارِ في عتمةِ الأنقاض....!

***

كان الرضيعُ وعدًا، ...

وها هو الوعدُ مسلوبٌ،...

ينشطرُ على أرصفةِ النزوح، ...

حيث تنامُ البنادقُ في حضنِ الوصايا،...

وتستيقظُ الدماءُ ..

 في حقائبِ الأممِ المتخاذلة....

***

يا أُمَّ موسى...

رأينا أحفادَهم على حدودِ غزة،...

يرتّلونَ النارَ بدلَ التوراة،..

يخلطونَ الحبرَ بالدمِ،..

ويُسمّونَ المجازرَ..

 "دفاعًا عن النفس"....

يستولدونَ هيكلًا من بينِ العظام،...

ويهدمونَ الكنائسَ والمساجدَ فوقَ النبض....

***

كان موسى يشقُّ البحرَ بعصاه،...

وهم يشقُّون الطفولةَ بالقذائف، ..

كان يقول:

 "لا تخافوا، إنَّ اللهَ معنا"، ...

وهم يقولون: لا دولةَ لهم... 

فليبقَ الموتُ معنا ...

***

يا أُمَّ موسى...

إنَّ تابوتَكِ الآن ..

يعومُ في دِمَنِ الأخبار، ...

يحملهُ العالمُ صامتًا ..

 نحو شاطئِ النسيان،...

وحين تبكين، ...

نسمعُ في بكائِكِ كلَّ أمهاتِ الشهداء،....

يَحملْنَ الرُضَّعَ في أكفانٍ بيضاء،...

كأنّهنَّ يُعيدْنَ دفنَ الخلاصِ الموعود...!

***

موسى...

لو عدتَ اليومَ إلى أرضِ كنعان،...

لرأيتَ أنَّ فرعونَ لبسَ قلنسوةً،...

وأنَّ جنودَه يرفعونَ شعارَك ...

وهم يقتلونَ باسمك، ...

ويُحرِقونَ لوحَك العاشرَ ...

كي يُقيموا إمبراطوريتهُم....

***

قالوا:

 "أرضٌ بلا شعبٍ..."

لكنا سمعنا الأرضَ تصرخُ:

أنا هنا منذُ أولِ نبضةٍ،...

أنا الزيتونُ الذي رأى كلَّ الأنبياءِ،...

أنا الطفلُ الذي لم يكبرْ ...

لأنَّ القذيفةَ ..

كانت أسرعَ من الحليب...!

***

يا أُمَّ موسى...

سجِّلي هذه النبوءة:

إنَّ الشعبَ الذي يُصلَبُ كلَّ يوم، ...

سيُبعثُ من تحتِ الركامِ ..

مرفوعَ الجبين، ..

وإنَّ من يشربُ من دمِه الماءَ ...

سيغصُّ بالخلودِ يومًا ما....

***

يا أُمَّ موسى، ..

إنَّ النهرَ لم يعُدْ نهرًا، ...

إنَّه نحيبُ القلوبِ ...

 التي تغرقُ كلَّ ليلةٍ ..

 تحتَ قصفِ الحديد....

لكننا لا نُسلمُ الرضّعَ إلى الخوف،...

نُسلمهم إلى الشعر... 

كي يُخلِّدهم، ...

وإلى الضوء... 

كي يعبروا إلى الغد...

***

سلامٌ عليكِ...

 وعلى كلِّ من تبكي على وطنٍ ...

يُذبَحُ باسمِ موسى، ...

وسلامٌ على موسى...

 إن كان يسمعُنا ...!

د. عبدالرحيم جاموس  

الرياض 27/6/2025 مم 

Pcommety@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

احتمال جديد بقلم الراقية فريدة الجوهري

 احتمال جديد جلست وحدها، تحدّق في العتمة التي تتسلل من نافذة الغرفة. كان الليل ساكنًا حدّ الاختناق، وكأن الهواء نفسه يراقب ارتجاف قلبها بصمت...