بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يونيو 2025

حين يجتمع الرحيل بقلم الراقي طاهر عرابي

 “حين يجتمع الرحيل”


في قصيدتي “حين يجتمع الرحيل”، أنطلق في تأملٍ فلسفيّ يتوغّل في معنى الوجود وزواله، حيث تتشابك الأسئلة الكبرى عن الحياة والمصير مع إيقاع الزمن الذي لا يعرف السكون.

أتصوّر الإنسان ككائنٍ مؤقت، مسكونٍ بالدهشة، يسعى لفهم موقعه الهشّ في كونٍ شاسع، متأملًا الزمنَ والحربَ كرمزين مزدوجين للفناء والتحوّل.


ليست الحرب هنا مجرّد مأساةٍ عابرة، بل تجلٍ دائم للألم الإنساني، ومرآة تشظّيه أمام عنف الكارثة. من خلالها تُطرَح تساؤلات ملحّة عن الغفران، والتسامح، والقدرة على تَحمّل الألم دون التخلّي عن جوهر الرحمة.

وعبر هذه الرحلة التأملية، أواجه صراع الذات في حضرة العدم، باحثًا عن جدوى تستعصي على الانطفاء، وعن شعاعٍ خافت من الجمال، يبرق وسط العتمة، ويجعل البقاء — رغم هشاشته — فعلًا يستحقّ الإصرار.



 “حين يجتمع الرحيل”


(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)

دريسدن - 06.07.2024 | نُقّحت في 27.06.2025


سنرحل،

نزأرُ أسودًا في صمتِ اللامرئي،

ونُزقزق كعصافيرَ لا تسمعها الأغصانُ،

حتى لو كُنّا بشرًا،

نحن أجنحةُ الرحيل بلا وجهة،

نخوضُ في مدى الحياة،

ونعلم أن منتهى القَدَرِ سرٌّ لا يُدرك.


نقطةٌ صغيرة،

تحملُ اسمًا وعمرًا،

تذوبُ كسرابٍ في آخرِ النهار،

غرباءَ نحفُرُ طريقَنا نحو المعرفة،

نعبثُ بخيوطِ الزمنِ بين ماضٍ وحاضر،

كأننا ظلالٌ تهمسُ على حافةِ الغبار.


ما نفعله،

تفعله الضفادعُ في بركةِ السكون،

ويهمسُ به الطيرُ في عُلُوّ الأشجار،

وتحكيه الحيتانُ تحت أزرقِ البحرِ الهادر.

نحن راحلون،

وندرك أن البقاءَ متبدّل،

يختارُ أسبابه،

كما تختارُ النجومُ ليلَها في السماء.


من نحن أمام حجرٍ عاش ملايينَ السنين؟

قابعٌ في صمتِه،

لا يُبتهجُ ولا يحزن،

ولا يشغلُ باله بماهيةِ التحولات.


من نحن في غابةٍ ترزقُها السماءُ بالمطر؟

من نحن على قمةِ جبلٍ يهمسُ للنجوم؟

من نحن في قاعِ بحرٍ مظلم،

تتشابكُ فيه مخالبُ الأرضِ مع لهبِ البراكين؟


سنفنى،

نحن نقاطٌ من نورٍ وظلال،

ضَعفُنا في نقطةٍ بيضاءَ أو سوداء،

تضحكُ وتحزن،

تحبُّ وتكره،

تُصارعُ الخوفَ والقلقَ على أرضٍ متقلبة،

ثم تهمس:

كنتُ نقطةً في عالمٍ مدّدني طولًا وعرضًا،

وجمعني في قَدَر.


يا صفوةَ القلب، دقّي،

لنعترف بحُسنِ الحياة،

يا عيونًا شفافة،

اغفري للسواد،

فالألوانُ لا تختارُ ثيابَها في صباحٍ مقدّس.


يا أحاسيس، تكلّمي،

دعينا نختارُ لفرارنا معنىً جديدًا،

وقولي ما تختزنه النفوسُ من قداسة،

لبقائنا على هذه الأرضِ بأبهى حللها.


سنعاني من سطوةِ الجاحدين،

ولكننا نغفر،

هل نغفرُ لرحلتِنا بعد حربٍ قتلتنا،

وجعلتْنا صورًا شاردةً في مرآةِ التشوه؟

سنحملُ كلَّ شيء،

كما نحملُ جلدَنا وعظمَنا وعيونَنا،

وسيبقى وجهُ الحربِ إنذارًا لا يُمحى.


هل نُنذرُ الباقين،

أم ننتظرُ مصيرَنا بلا صوت؟


أيها الراحلون،

سنواصلُ الرحيل،

وتجتمعُ النقاطُ في سطرٍ واحد:


أيها الراحلون،

سنواصلُ الرحيل،

وتجتمعُ النقاطُ في سطرٍ واحد:


“كُنّا نعيشُ مع أنفسِنا،

في المكانِ الذي نُسمّيه الأرض،

وهنا التائب، وهنا المظلوم، وهنا الصابر،

وهنا من تبسّم ليقتلنا،

وهنا لا نحتاجُ قمحًا أو سكرًا،

انتهى حلمُنا، ومضينا عُراةً،

حملنا الزمن عُراةً… وكان الندم.”


(قصيدة للشاعر والمهندس طاهر عرابي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

احتمال جديد بقلم الراقية فريدة الجوهري

 احتمال جديد جلست وحدها، تحدّق في العتمة التي تتسلل من نافذة الغرفة. كان الليل ساكنًا حدّ الاختناق، وكأن الهواء نفسه يراقب ارتجاف قلبها بصمت...