وصيّةُ الجذور العميقة
أ.د. زياد دبور
حين يطولُ الليلُ،
لا تسألوا متى يجيءُ الصباح،
كونوا أنتم الفجرَ الذي يمزّقُ الظلامَ بأصابعه المُضيئة.
الشمسُ لا تنتظرُ الكسالى،
ولا الجبالُ تُمجِّدُ الرُّكَّع،
والماءُ لا يستقرُّ في كفٍّ
تُفضِّلُ الارتعاشَ على القبض عليه.
عِندَ مُلتقى الخوفِ واليقين،
يُختَبَرُ المعدنُ الحقيقيُّ للقلوب.
لا يولدُ المجدُ في الظلّ،
ولا تُنبتُ الرياحُ جذورًا،
فالأشجارُ التي لا تتعلّمُ مُواجهةَ العواصف
تصيرُ مجرّدَ حطبٍ ينتظرُ شرارةَ الشتاء.
على هذه الأرضِ الصلبة،
من لا يَجرؤُ على الإمساكِ بالغصن،
يتحوّلُ إلى حجرٍ يُعيقُ طريقَ المُتسلّقين،
ومن يكتفي بالثمارِ المتساقطة،
سيظلُّ غريبًا عن طعمِ الأعالي إلى الأبد.
ليس الجوعُ ما يَقتلُ الإنسان،
بل اعتيادُهُ على الفُتات.
ليس العجزُ ما يُسقِطُ الأمم،
بل الاطمئنانُ إلى الوحل
كأنّه مَهدٌ صالحٌ للنُّمو والحياة.
أيُّها الواقفونَ في الطين،
تضحكونَ على من يتسلّقُ الجبل،
ولا تدركونَ أنكم الغارقون،
وهو الوحيدُ الذي يرى الأفق!
من ظنَّ أن ضوء غيره يحجبه،
لم يدرك أن الشمس لا تُطفئها ظلالُ الحاسدين،
ومن يهدمُ سُلَّمًا خشيةَ أن يسبقه غيره،
يظلُّ أسيرَ الحُفَرِ التي حفرها بيديه.
السماءُ تَحفظُ أسماءَ الذين ارتفعوا إليها،
وتتناسى الذين أدمنوا الانحناء،
والبحرُ لا يُخلّدُ ذكرى من خافوا الغرق،
بل أولئك الذين رقصوا على موجاتِه العاتية
كأنّهم يسيرون على درٍب مُعبّدٍ باليقين.
الجذورُ العميقةُ لا تخشى الرياح،
والأجنحةُ القويّةُ لا تهابُ الارتفاع،
فلا تُولدوا ظلالًا لأحد،
ولا تختاروا القاعَ خوفًا من مرارةِ السقوط.
كونوا النورَ لا انعكاسَه،
الصوتَ لا صداه،
الحقيقةَ لا وهمها،
النهرَ المتدفّقَ لا ضفّتَه المنتظرة.
وإن تعثَّرتم،
فاجعلوا العثرةَ قوسًا يشدُّكم للأعلى،
فالسهمُ لا يُصيبُ هدفَه
إلا بعد أن يُسحَبَ للخلف!
*. © زياد دبور ٢٠٢٥
جميع الحقوق محفوظة للشاعر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .