الوطن/سرد تعبيري
وشوشاتُ قوقعةٍ فارغةٍ تسرُّ إليَّ بنجاوى الرّاحلينَ المسافرين مع النّوارسِ في هجرةٍ أبديّة . الصّمتُ الرّهيبُ يغلّفُ وطني إلّا منْ حشرجاتِ بحرٍ تواطأتْ عليهِ المستنقعاتُ فسرقتْ منهُ أمواجَهُ وسحرَهُ ورمالَه، الآنَ أسمعُ أنينَه، أرى زبدَه يفورُ لكنْ بِلا أمواجٍ، من أغوارِه أسمعُ تفجُّراتِ صرخةٍ متمرّدةٍ، الوطنُ غريقٌ! ذلك البحرُ يكادُ أن يلفظَهُ نحوَ الشّاطئِ لكنْ بلا جدوى ، يا وطني، المراكبُ صودِرتْ فكيفَ ستنجو من غرٍقٍ محتّم؟ أصيخُ السّمعَ لصرخاتِ الملايينِ وهي تخرجُ من جوفِ بحرٍ مثقلٍ بالآهاتِ! أرسمُكُ وطني وأنتَ محتبسٌ في لوحةٍ تشبهُ لوحةَ غورنيكا، لوحةٌ أرسمُها بيدين خشنتين فهما اعتادَتا أن تكونا في كاملِ قيافةِ الصّخبِ والرّفضِ والاحتجاجِ، رسمْتُ الصّرخاتِ الغائرةَ في سوادٍ طغى وغطّى ربيعَ وطني الأخضرَ، سأطلقُ سراحَها لتملأَ الدّنيا أملًا لتكونَ الصّرخاتُ مدياتٍ تقطعُ حبالَ العبوديّة، وبريشةِ الحقيقةِ التي كحّلتُ بها العيونَ الوسنانةَ وقدِ اختفى منها وهجُ الحياةِ، سأعيدُ البريقَ إليها فعيونُ وطني لا يليقُ بها الذُّبولُ، وبضرباتِ ريشةٍ ثائرةٍ سأرسمُ الأياديَ المصفّدةَ وهي تحطّمُ الأغلالَ، سأفتحُ المرفأ الذي أوصدتْه أيادي المتصلّفينَ سأمخرُ بالسّفنِ نحوَ شمس الحريّة. أيا قوقعتي الفارغةَ كم تآخينا معًا في المصابِ، أنت بلا لآلئك وأنا بِلا وطن، أنتِ على شاطئِ الأحزانِ تنتظرين من يربِّتُ على أوجاعِكِ، وأنا الكائنُ الأجوفُ أنتظرُ من يحميني من انجرافاتِ السُّيول، الحربُ في وطني دمرت كلَّ شيءٍ حتى الأحلام. في الحربِ اقتناصٌ للأرواحِ ودمارٌ ، العبثيّةُ أغرقتْ حياتَنا بالثّكلِ، لكنْ يا قوقعتي أعدُكِ أنّنا معًا سنعبرُ جسورَ الرَّجاءِ يقودُنا نورُ الأملِ صوبَ السّلام . أيا قوقعةُ أنا المشبعةُ بالحنينِ أقفُ أمامَكِ الآنَ بخشوعٍ كي تحفري لي في طيّاتِكِ مكانًا يأويني فأنا متشرِّدَةٌ ووطني جريحٌ فهلّا استقبلتِني لإودعَ فيك لآلئ حبي للوطن؟
سامية خليفة / لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .