ترانيم غيمات الخريف
ها قد جاء الخريف،
وحمل معه حقيبة من الذكريات،
تسلّل كحكيمٍ عجوز،
ينثر أوراقه الصفراء على عتبة قلبي،
ويهمس لي: "ارتدِ معطف الغياب... فالشتاء قادم."
وأنا، ما زلت أُعاني عُقدة المطر،
كأن الغيم كلما بكَى، تذكّرني.
أقف على الهامش،
كتمثال نُحت على عجل،
يحدّق في المارة ولا يُرى.
أنا، ظلّي، وأشواقي...
نتذوّق مرارة الفقد،
ونشرب من نهر النسيان، ولا ننسى.
ظلّك،
ككائنٍ أسطوريّ،
يُطل من خلف زجاج نافذتي،
لا يُرى، لكنه يُشعلني،
يتنصّت إلى نبضي،
ويتوارى في دهاليز الغياب.
النوارس عطشى،
والأنهار صارت مرآة لحيرتي،
والأعشاش... مساحات خاوية للصدى.
المساء يرتّل مزاميره،
والأسحار تنقش ابتهالاتها فوق السماء.
قبل حبك،
كانت القصص محض خرافة،
أساطير تمشي على عكاز الوهم.
أما أنت...
فترنيمة،
وصلاة بلا سجادة،
وكتاب لا يُقرأ إلا بالقلب.
أحمل قلبي كقافية معطوبة،
أُحاول أن أكتبك من بقاياك،
وأهرب منّي إليّ،
كلّما ناداني اسمك في مجلس الذكرى.
عيناي تتمرّدان،
وقلبي العابث يعلن التمرّد،
كأنه طاغية أسقطته نظرة منك.
ثم ماذا؟
أصغي إلى الغيم،
يحدثني بلغةٍ لا يفهمها غير العاشقين،
أغلق النافذة،
وأترك لك بها ورقة خريفية،
كُتب عليها: "عد حين ينضج الشتاء."
أرتّب فوضاي كما ترتّب العرافة طقوسها،
أوقد شمعة،
وأضع حولها دائرة ملح،
وأستدعيك من ذاكرة الأبد.
فإن لم تعد،
فليكن حبك،
حرفًا على جدار كهف،
يراه من يأتي بعدي،
ويقول: "هنا كان قلبٌ، وكانت أسطورة."
ماري العميري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .