بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 أبريل 2025

غزة عصية عن الموت الزؤام بقلم الراقي د عبد الرحيم جاموس

 غزّةُ عصيّةٌ على الموتِ الزؤام...!

 نصٌ بقلم د. عبد الرحيم جاموس


حين تصحو غزّةُ، لا يُشرقُ الصباحُ..

 بل تنهضُ من بين الرمادِ كأنها المعجزة ..

شَمسُها عالقةٌ في حلقِ الغيوم ..

والضوءُ خائفٌ من أن يُولد في زمنِ المجازر ..

لكنها تمضي...

بخطى حجرٍ ..

تعلّمَ كيف يُربّي الشُعاعَ في كفّه ..

***

في غزّة...

لا يُوقِظُ الناسَ صوتُ المنبّهات ..

بل نداءُ أمٍّ تُعدُّ أسماءَ الغائبين ..

كما تُعدّ الحُرقةَ في صدرِها ..

البيوتُ تُفتَّشُ في أنقاضها ..

عن ضوءِ ذاكرةٍ لم تُدمَّر ..

***

الأبوابُ لا تُفتحُ لضيوفٍ ولا للأحباب ..

بل تستقبلُ جنازاتٍ تمشي كما الأنبياء ..

وفي المدارسِ...

تُعلّقُ المقاعدُ شهاداتِ غيابٍ أبدية ..

والسبّورةُ تهمسُ بحروفٍ من دمٍ ..

"الوطنُ لا يُدرّس، بل يُستشهدُ فيه ..

***

المستشفياتُ...

كهوفُ نجاةٍ بلا طبّ ..

والأطباءُ يُجرّحون الموتَ بالصبر ..

يخيطون الحياةَ بإبرٍ من دعاء ..

ويُلقّنون الجرحَ أناشيدَ الصمود ..

الدواءُ...

 غائبٌ في طوابير الانتظار ..

لكنّ القلبَ لا يزالُ يدقُّ ..

"الحياةُ أقوى... من آلةِ الفناء."

***

في الأزقّةِ...

الخيامُ تمشي، ليست بيوتًا ..

بل أكفانًا بيضاءَ على قيدِ الحلم ..

لا سقفَ يُجيدُ كتمَ الصيف ..

ولا جدارَ يحرسُ الشتاء ..

الماءُ شبحٌ ..

والكهرباءُ...

 برقٌ عابرٌ في ليلِ الخوف ...

لكنّ الأطفالَ...

يرسمون نورًا من ظلِّ شظاياهم ...

***

أطفالُ غزّة...

يحفظون أسماءَ الرعب...

ويتعلّمون العدَّ على رؤوسِ الطائرات ...

لا على أصابعِ اللعب ...

لكنهم يضحكون...

لأن الضحكَ في وجوهِهم ...

صفعةٌ في وجهِ الطغيان ...

***

أمُّ الشهيدِ...

لا تبكي،

الدمعُ انتحرَ من شدّةِ النزف ...

تحدّقُ في صورةِ ابنها ...

كأنها نافذةٌ مفتوحةٌ على الخلود ...

تقول:

"كان حلمي أن أزفّه إلى الحياة ...

لكنّي زففتُه إلى ما هو أبهى...

إلى وطنٍ لا يُقصفُ فيه الحلم..."

***

الطفلُ الناجي...

يمشي بين النساءِ يبحثُ عن أمه ...

وفي يدِ كلّ غريبٍ يفتّشُ عن أصابعِ أبيه ...

وحين يُسأل: "أين العيد؟!

يجيبُ:

"استُشهدَ معه ...

لكني باقٍ...

أنا الشاهدُ الحيّ على الجريمة....

***

الشهداءُ...

لا يُطمرون ...

بل يُرفرفون في ذاكرةِ المقاومين ...

يسكنون القصائدَ. ...

ويُلقّنون الحروفَ معنى الكرامة ...

كلّ اسمٍ منهم شُعلةٌ ..

كلّ وجهٍ قصيدة..

وكلّ دمعةٍ على قبورهم...

 وطن... 

والمخيمُ...

ليس مأوى، بل ملحمة ..

كلّ جدارٍ يهتف ..

كلّ خيطِ غسيلٍ علمٌ ..

وكلّ طفلٍ نبيٌّ يخطُّ بصرختهِ ..

سِفرَ الصبرِ الجديد ..

***

حين تنامُ المدنُ ..

تصحو غزّةُ على قذيفةٍ ..

أو زغرودةِ أمٍّ ولدَ لها شهيد ..

أو مولودٍ جاء إلى الدنيا ..

يحملُ جرحَه في كفّه ..

وشهادةَ الحياةِ في الأخرى ..

***

لكنّ غزّة...

لا تنحني ..


هي النخلةُ التي لا تكسرها الريح ..

هي القصيدةُ التي لا يُطفئها الحصار ..

هي الجرحُ الذي يُنبتُ ياسمينًا ..

في وجوهِ العالم...!

***

غزّةُ...

لا تحيا فقط ...

بل تُعلّم الحياةَ ..

كيف تكونُ جديرةً بالحياة ..

تقتاتُ من الرمادِ، وتُزهر ..

تشربُ من الدمعِ، وتغنّي ..

تمشي على الشوكِ، وتهتفُ:

"أنا النبتةُ التي لا تموتُ ..

ولو سُقيت بالدمِ بدل الماء ...!"

***

في وجهِ الموتِ...

تزرعُ قُبلة ...

وفي فمِ الليل...

تُشعل شمعةً من شظايا الروح ...

***

صمودُها ليس عُنفوانًا فقط ...

بل طقسٌ من عبادةِ الحرية ...

تمسكُ بالحياةِ ..

كما يُمسكُ الشهيدُ بعلمِه الأخير ...

وترفعُها، رغم الخراب ..

كرايةٍ لا تعرفُ الانحناء ...

***

غزّةُ...

لا تقول: "أنا باقيةّ ..

بل تُثبتُ ذلك ..

بكلّ قلبٍ ينبضُ على الإيقاعِ الأَخير ..!

د.عبدالرحيم جاموس  

الرياض 7/4/2025 م 

Pcommety@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

الملعب الأخير بقلم الراقي رضا بوقفة

 الملعب الأخير ملعبٌ بلا جمهور مباراةٌ لوجهٍ واحد مشجّعون خلف التلفزات راياتٌ حمراءُ ورمادية ودخانٌ أسودُ للأهداف المرمى بابٌ بلا قفل والضمي...