بعضٌ من قصيدة قديمة
..............................
الصمتُ جمرٌ والأنينُ ضرامُ
فلأي حالٍ تُنسبُ الآلامُ
نارٌ بقلبي كنتُ قد خبّأتها
زمنا فغالتْ قلبيَ الأسقامُ
خبّأتها كي لا يُقالُ مطيّرٌ
أو أن يراها صاحبٌ لوّامُ
ومضى بها من لا يودّ لهيبها
حتى استحلّت دمعهُ الأحلامُ
فإذا غفا قامت تحثُّ وقودها
لا يبقى حتّى للمنامِ مرامُ
وإذا صحا تجثو على أكتافهِ
وكأن من يجثو هو الأهرامُ
الآن يا صمتي تنحّى فثائري
بحرٌ طغى موجٌ بهِ وظلامُ
ولتعلم الدنيآ المجهولة أنني
أملي الحروفَ وتكتبُ الأقلامُ
قسما بمن أوحى لخيرُ أنامهِ
سأقولُ ما يغدو بهُ الإعلامُ
سأقولُ للملأ الكبيرِ بأنني
طاغٍ إذا ما جارت الأيامُ
إن الصحاري كيف دامَ أناسها
لولا الحداءَ برحبها ما داموا
لولا غناء الريحِ بين فجاجها
لولا الثغاءُ لساءتٰ الأغنامُ
حتّى البهائمَ إن تُفرّقُ شملُها
ضجّتّ وكلّ بهيمةٍ تنسامُ
سأزفها كعروسةٍ غجريّةٍ
بينَ الدفوفِ تُزغردُ الآرامُ
سأقصُّ للمجنونِ بعضَ حكايتي
إن راقَ دمّي وساعد الإلهامُ
قابلتهُ بالسوقِ أوّل مرّةٍ
وكأنّ تُحيني لهُ الأعوامُ
وكأن عمري منذُ حينَ ولادتي
ما كان إلا تُحسبُ الأيامُ
كلْمتُهُ بالسرِّ قالَ مُكلّمي
زفّت إليكَ مشاعري الأحلامُ
والله أني قد رأيت بليلتي
قمرا يطارحهُ الهوى رسّامُ
وتبسّمتْ فعرفتُ ما ذهبتْ لهُ
قلتُ الرؤى صدقتْ بها النوّامُ
كالبدرِ أنتِ ضحكة وملامحٌ
كالفجرِ أنتِ بسمةٌ وسلامُ
ومضت تزورنا السنينُ بصيفِها
بالصيفِ توفِدُ أهلها الدمّامُ
والليلُ كالمشتاقِ يأتي مُحاذرا
والنجمُ يرقصُ والهوى بسّامُ
ما كانَ أجملها الدقائق عندما
نبقى السهارى وأهلنا قد ناموا
نقتاتُ همسا وبعضاً من مودّتنا
الحلُّ حلٌ والحرامُ حرامُ
عقدٌ وستّةُ أعوامٍ ورفقتنا
ما حالَ بيني وبينها عامُ
يا صرح حبٍّ عشتُ بنّاءً لهُ
ما كنتُ آملُ أن يأتيهِ هدّامُ
عمّرتهُ وزرعتُ في جنباتهِ
نخلا فطالَ فغالهُ إحجام
لو أنا ماتت لقلتُ مصيبتي
لو أنها كرهتْ ما كنتُ لوّامُ
لكنّ شيطاني تدخّلَ بيننا
وأراني شيبي وهذا الدهرُ قوّام
وأراني وجها جفَّ فيهِ لحاءهُ
وجهُ الحبيبةِ أثمارٌ وآدامُ
حاولتُ أنصفها فكانَ تصرّفي
طفلٌ يضنُّ بأنّهُ العلّامُ
فتغيّرَ الوجه الذي قابلتهُ
وأنا بدتْ في وجنتي أورامُ
قالت مللتَ قلتُ لا بل ملّني
دهري أنّكِ منبتٌ طعّامُ
ودّعتها والقلبُ مضطربُ الدِما
ولجر حي بعدَ وداعها إيلامُ
لم يبقَ عندي إلا رقم محبّتي
لم يبقَ في جوّالها أرقامُ
عدنا كبارقةٍ تحدّرَ ماؤها
كمسافرٍ تاهت بهِ الأقدامُ
لكن عقلي شتّ بعدَفراقها
فعذرتُ خلقاً بالهوى قد هاموا
أحيا بها وبذكرها مُتيقّظا
إن نمتُ تُحيِ مُهجتي الأحلامُ
من القديم
صالح ابو عاصي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .