خوابي الزمن المعتقة
زياد دبور
حينَ أفتَحُ بابَ البَيتِ القَديمِ
لا أجِدُ البَيتَ
أجِدُ الوَقتَ مُكَسَّراً كَمِرآةٍ
والذِّكرياتِ تَمشي حافِيَةً فَوقَ شَظاياهْ
هُنا عَلَّقَت أمّي أحلامَها
عَلى حَبلِ الضّوءِ
وهُناكَ رَسَمَ أبي مِن صَمتِهِ
سَماءً صَغيرةً تَكفي لِعائِلةٍ
تُصَلّي لِرَغيفِ الخُبزِ أن يَكبُرْ
كانَ المِنجَلُ يَكتُبُ قَصيدَتَهُ الأولى
عَلى خَدِّ السَّنابِلِ
وكُنّا نَقرَأُ الفَصلَ الأخيرَ مِن التَّعَبِ
في عَينَي أبي المُغمَضَتَينِ على الحُلمْ
لِلفَقرِ رائِحَةُ الخُبزِ السّاخِنِ
ولِلكَرامَةِ لَفَّةٌ ناصِعَةُ البَياضِ
كَشُموخِ جَبَلٍ تَكسوهُ الثُّلوجْ
تَرتَفِعُ فَوقَ جَبينِ أبي
كَتاجِ مَجدٍ في مَملَكَةِ البَيتْ
لِلوَقتِ حِكاياتٌ أُخرى
غَيرُ الَّتي تَرويها السّاعاتْ
وعَصا جَدّي تُؤَرِّخُ لِلأرضِ
بِلُغَةٍ لا يَفهَمُها إلّا التُّرابْ
في الحاكورَةِ
كانَ الياسَمينُ يُعَلِّمُنا الكِتابَةَ
وكانَ الزَّيتونُ يُعَلِّمُنا
كَيفَ نَقِفُ شامِخينَ
رُغمَ الرّيحِ والإعصارْ
كُلُّ شَيءٍ لَهُ مَعنى آخَرْ
القُمبازُ لَيسَ ثَوباً
بَل خَريطَةُ وَطَنٍ مَطوِيٍّ
في خِزانَةِ النِّسيانْ
والقُروشُ القَديمَةُ في الجَيبِ
لَيسَت نُقوداً
بَل نُجومٌ صَغيرَةٌ
سَقَطَت مِن سَماءِ الطُّفولَةِ
ولَم يَلتَقِطها التّاريخْ
نَحنُ أبناءُ الذّاكِرَةِ المُتعَبَةْ
نَمشي في شَوارِعِ الحَنينِ
نَبحَثُ عَن بَيتٍ
يُشبِهُ قَلبَ أُمٍّ
ووَطَنٍ يُشبِهُ رائِحَةَ الخُبزِ
في تَنّورِ الصَّباحْ
كُلَّما سَقَطَت حَبَّةٌ مِن مِسبَحَةِ العُمرِ
نَبَتَت مَكانَها وَردَةُ ذِكرى
عَن زَمَنٍ يَسكُنُ في عُلبَةِ القَلبِ
كَعُصفورٍ نَسِيَ أن يُهاجِرْ
وظَلَّ يُغَنّي لِلرَّبيعِ
يا زَمَناً مُعَتَّقاً في القَلبِ
هَل يَكفي الحَنينُ
لِنُعيدَ كِتابَةَ الحِكايَةِ مِن جَديدْ؟
أم أنَّ الذِّكرياتِ مِثلَ الوَطَنِ
لا تُستَعادُ إلّا في القَصيدْ؟
بقلمي زياد دبور ١١.٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .