بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 أكتوبر 2022

إبحار في قصيد د/ نوال علي حمود

 إبحار في قصيد 
د/ نوال علي حمود 

نتناول اليوم قصيدة الشاعر المهندس صبري مسعود 
المغترب في ألمانيا ...

🎉قصيدة ( ضحكة الأطفال ) 
المؤلفة من أحد عشر بيتا من البحر الكامل وقافية اللام المكسورة ...

عنوان القصيدة : ضحكة الأطفال 
ما أجمله من ترميز!! تماهى مع العنوان ليوضح لنا حالة ، تعشق نفوسنا، وتسيطر على حالة شعورية عند الجميع؛ 
فضحكة الأطفال يعني البراءة والصدق، وإعلان السعادة ...
ليبدأ مسطرا" بعدها قصيدته على البحر الكامل
 
ومفتاح البحر :
 كمل الجمال من البحور الكامل; ••• متفاعلن متفاعلن متفاعلن 

والوزن: متفاعلن متفاعلن متفاعلن; ••• متفاعلن متفاعلن متفاعلن

ياله من بديع التوافق بين جمال وبراءة الطفولة، وجمال إيقاع البحر الكامل 

١/ البيت الأول
(نادتْ : هلمَّ   تعالَ   دونَ  تعالي
فالقلبُ ذابَ ،  ودمعُ عينيَ غالي)
يبدأ شاعرنا كلماته بشكل مباشر فيحدثنا عن محبة له [ او حبيبة ] لا فرق 
(نادت )/ فعل ماض والفاعل _ هي _ 
فماذا قالت ؟! هلم / أسرع 
وأردفها بما يناسبه من المفردات( تعال) ( دون تعالي ) والتعالي هو الترفع والتكبر على الأصحاب 
 ونجده قد  استخدم [ تعال _ تعالي ] الجناس وهو تشابه لفظين واختلاف المعنى ..
وهذا في بحث [موسع في لمن
 أراد الاطلاع ]  ببداية كتاب أسرار البلاغة  لعبدالقاهر الجرجاني،  ويجعله أساس المزية في الجناس والسجع..
وهذا دليل تمكن شاعرنا من استخدام البيان والمحسنات 
٢/البيت الثاني : 
(إني جعلتك فارسا بخيالي 
فتركتني بوحدة الأدغال )

(إني جعلتك فارسا" )
جملة اسمية فيها الكثير من التأكيد، والاستمرار..
 حتى لو أردفت بعتب فيه الكثير من الألم ( فتركتني بوحدة الأدغال ) يا لها من صورة خدمت الغرض بكل الشاعرية المغلفة بالحاجة في هذا الزمن 
الصعب ...
لكنها جملة فعلية وتقبل التغيير والتطوير وهو الفارس الحامي 
٣_البيت الثالث 
(قيدتني ، والقيد صار مرارة 
وخذلتني في أصعب الأحوال)
هو وجع القيد؛  لكنه قيد الحب والالتزام وإن كان به مرارة 
فهي بسبب الخيبة ليس إلا ...
(وخذلتني ) والخذلان صعب على من يحب بصدق، وهذه المرارة زادتها الظروف المحيطة وحاجتها [ حاجة الحبيبة ] للحماية ...
٤_البيت الرابع 
( أدعوك: عد ، أرجوك عد  أضنيتني 
عجبا" ! أتسمعني  ولست تبالي ؟!)
هي المحبة الصادقة تناديه بل تناجيه وتدعوه للعودة بصدق 
مشاعرها التي اختارته فارسا"
(أضنيتني ) وهي دلالة شديدة على مدى التعب، والفقدان حد المرض، وقد جاء في معاجم اللغة [ضنِيَ يَضنَى، اضْنَ، ضَنًى وضَنَاءً، فهو ضَنٍ وضَنِيّ وضَنًى • ضنِي فلانٌ: اشتدَّ مرضُه حتَّى نحل الجسم] لكنها وبتعب ونحول شديد 
تقول ( أتسمعني ) استفهام استنكاري؛  تلحقه بوصف حيث تصفه بعدم المبالاة ( فلست تبالي ) تتضمن عتب ورجاء 
٥_البيت الخامس 
(ماعدت أقوى إنني في لهفة 
أدعو ، فترجع خيبة الآمال )
يالها من كلمات أصابت وجع وألم القلب الذي فاض عشقا 
وكبرياء ، عانى من توالي الخيبات والخيبة كما جاء في معجم المعاني هي [ خيبة الأمل: عدم تحقيق ماكان يُرْجى،
راح يجرّ أذيال الخيبة: كناية عن إخفاقه وفشله وعدم فوزه بما كان متوقّعًا]
٦_ البيت السادس 
(وإذا فعلت  فإنني في حيرة 
هل فعلتي صدقت هوى أقوالي؟)
[إذا ]ظرفية لما يستقبل من الزمان، شرطية غير جازمة 
وجملة (فعلت ) مع فاعلها في 
محل جر بالإضافة ...
حتى في خطابها ومحاورتها لذاتها، وحيرتها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار   تدعونا للدهشة في قصيد الشاعر 
٧و ٨_ البيت السابع والثامن
(كل المصائب حالفت أشباهها 
فتقطعت وتفرقت أوصالي 
يا ذا الشهامة هل سمعت حبيبة ؟
غنت أسى" في حرقة الموال!!)
(كل المصائب حالفت ...)
تصف ما مر بها وتنعتها بالمصائب من شدة وقعها وآثارها عليها، وأنها مستمرة؛  والدليل استخدامها جملة اسمية تفيد استمرار الحدث، واستقراره في حياتها 
وأن هذه المصائب أنهكتها وجعلتها كمن تقطعت اوصاله 
فبات عاجزا ...
لكنها تعود مستنجدة به وبصفاته صفات الفارس الذي خبرته ، والتي عنوانها الشهامة 
( يا ذا الشهامة ) نعم نسبت الشهامة كلها له ولا عجب فهو 
صاحب الشهامة ...
وبحرقة تسأله : ( هل سمعت حبيبة ؟ [ إذا هي تعرف مكانتها لدى شاعرنا ] 
وأي حبيبة ( غنت أسى" في حرقة الموال !! ) 
وهنا يحضرنا قول الشاعر الكبير :
لا تحسبنّ رقصي بينكم طرباً

فالطير يرقص مذبوحاً من شدة الألمِ !

   أبو الطيب المتنبي
٩_ البيت التاسع 
(تلك الحبيبة، يا لها من شوقها 
أضحت خيالا أو كطيف خيال)
وبعد حديث الوجع والألم شوقا ومناشدته للعودة 
تخبره عن نفسها فتقول ( تلك الحبيبة ) 
أضحت : فعل ماض ناقص مبني ...
واسمه [هي ] ضمير مستتر 
يعود على ( تلك الحبيبة )
أو ( حرف)  عطف يفيد التخيير لكنها هنا استخدمت 
الخيال، أو طيفه بمستوى واحد للتعبير عن شدة الهزال الذي أصابها من غيابه ..
١٠_ البيت العاشر 
( فمتى تعود ؟ وقد حرقت حشاشتي 
وتفاقمت  وتثاقلت أحمالي ) 
الفاء استئنافية وظفها الشاعر بطريقة بديعة لشد المتلقي 
وزيادة تفاعله مع ما أصاب الحبيبة ..
(فمتى تعود  ؟) يا له من سؤال ومطلب بل حاجة ...!!
فغيابه/ ك ( حرقت حشاشتي )
وعودتك تطفيء لهيب يتقد في الحشاشة، وهنا كناية عن القلب 
(وتفاقمت ) ازداد ذاك اللهيب اتقادا" ( وتثاقلت أحمالي )
[وتثاقلَ لغة هو فعل 
/ تثاقلَ إلى / تثاقلَ بـ / تثاقلَ على / تثاقلَ عن / تثاقلَ في يتثاقل ، تثاقلاً...]
وهنا زادت الأحمال لدرجة عدم القدرة على المشي ، والتباطوء في الحركة 
وفي الطب [ يقال ارتفاع الأدرينالين عن حده لأي سبب
كان ...
يوصل لعدم القدرة على الحركة والمشي ]  
١١_ البيت الأخير 
( عد يا حبيبي ، ذبت شوقا" ، إنني 
أرجو اللقاء بضحكة الأطفال ) 
الله ما أبدعها من خاتمة لقصيد هزنا من العمق؛  وتفاعلنا مع أحداثه، وبوحه؛ وحال حبيبة لايخير عنه حال حبيبها ...
ومنتهى العذوبة والشوق تطلب منه العودة [ لربوع الوطن ] ...
(ذبت شوقا ) هو تماهي الأرواح وشدة الحاجة والاحتياج 
وهنا يحضرني قول لشاعر :

إذا ذبت شوقا في الذين تحبهم..
فأغمض عليهم مقلتيك و سافر..
          لقائله 

ويأتينا الشطر الأخير من البيت الأخير 
(أرجو اللقاء بضحكة الأطفال) 
منتهى الدقة ، منتهى العذوبة
واللامتناهي من الأمل ءاك الذي نراه مرسوما على وجوه الأطفال من براءة وامل بغد جميل ، يساعدنا على تخطي كل الصعاب فتطيب النفس
  هي تلك الضحكة التي عندما نراها ننسى كل ما هو سيء في حياتنا وتجعلنا سعداء وفرحين.

أحسنت شاعرنا وانت تنقل إحساسا" يعيشه الكثير من أبناء بلادنا في الغربة 
لكنك ابدعت عندما جردت من نفسك زاوية متقدة صورت من خلالها مشاعر واحساس الحبيبة بل حتى افكارها وكلماتها ومعاناتها الاجتماعية والنفسية والصحية ..
فجاءت الصور من خلال موسقى مفعمة بالحنين واللعة قدمتها لنا من خلال بحر متوافق الأوزان والحالة النفسية ...
جاءت قصيدتك من السهل الجميل الواضح وقد يكون ممتنعا عند البعض لكنه رائع، يتدفق بسرعة؛ وكأننا نعيش الحالة بكل مافيها 
ثم جاء الأمل فأسعد ورسم ابتسامة عريضة .
بقلمي الأديبة والناقدة 
 د. / نوال علي حمود
 ٢٠ / ١٠  / ٢٠٢٢م
________///______//_____
القصيدة 
للشاعرم/صبري مسعود 
- ضحكة الأطفال -
**************

نادتْ : هلمَّ   تعالَ   دونَ  تعالي
فالقلبُ ذابَ ،  ودمعُ عينيَ غالي

إنّي   جعلتُكَ    فارساً    بخيالي
فَتَرَكْتَني   في  وحشةِ   الأدغالِ

قَيَّدْتني  ،  والقيدُ   صارَ   مرارةً
وَخَذَلْتَني  في   أصعبِ  الأحوالِ

أدعوكَ عُدْ ، أرجوكَ عُدْ، أضنَيتَني
عجبا ! أتسمعُني   ولستَ   تُبالي !؟

ما عدتُ  أقوى  إنني  في  لهفةٍ
أدعو  ،  فترْجِعُ   خيبةُ   الآمالِ

وإذا   فعلتُ    فإنّني   في حيرةٍ
هل فِعلتي صَدَقتْ  هوى أقوالي ؟.

كلُّ  المصائبِ   حالَفَتْ  أشباهَها 
فتقطَّعَتْ    وتفرَّقتْ     أوصالي

يا ذا  الشهامةِ هلْ سمِعتَ حبيبةً؟
غنَّتْ   أسىً  في  حُرقةِ   المَوّالِ !!.

تلكَ  الحبيبةُ ، يا لَها  من  شوقِها
أضحَتْ  خيالاً  أو  كطَيْفِ  خيال.

فمتى تعودُ؟وقد حَرَقْتَ حشاشتي
وتفاقمتْ      وتثاقلتْ      أحمالي.

عُدْ  ياحبيبي ،  ذُبتُ شوقاً ،  إنني
أرجو   اللقاءَ   بضحكةِ   الأطفال .

شعر المهندس : صبري مسعود  " ألمانيا " Sabri Massoud

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

طبول الحرب بقلم الراقي راغب احمد العلي الشامي

 طبولُ الحرْبِ دُقَّتْ في زماني         فعانی النَّــــــاسُ منها ما أُعاني بدايَةُ حـرْبــنا كانــت بخُــسْرٍ           لبـــيتٍ قد حــــــ...