بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 أكتوبر 2022

قراءة في قصيدة : توأم الروح لـ: مرافئ الحنين بقلم: الأستاذ: حاتم بوبكر القصيدة: توأم الرّوح

 قراءة في قصيدة : توأم الروح لـ: مرافئ الحنين 

بقلم: الأستاذ: حاتم بوبكر 
القصيدة:

توأم الرّوح 

حَدِّثْ مشــاعركَ  التي   لا تحتملْ
قِفْ  عندهــا حتى يلينَ لها الجبلْ

رَوَّضْ لِســاحرةِ  العيـــونِ جفونَهَا
أرسلْ  لها  نبضَ الصبـابةِ  والمقلْ

وَارسمْ  بخدَّيهــا   مراسمَ   بهجةٍ
لِتُضيءَ   أنوارًا   كبدرٍ     إذ   نَزَلْ

وَازرَعْ   بعينيهــا  مواسمَ    زهرةٍ
تغري كأحلامِ الربيـــــعِ إذا اشْتَعَلَ

لا  وَصْلَ   إلّا  ما  تراهُ على المدى
متوقدًا  من   غير فَصْلٍ  أو  أجَلْ 

لا عشقَ   إلّا  صــافحتُهُ   مدامعي
والشوقُ مثل الرمحِ بالعينِ اكْتَحَلْ

هذي  أنا    كفــراشةٍ     يا  توأمي
والحبُّ يسري في دمي مهما ارتَحَلْ

هذي القوافي من عميقِ  مشــاعري
وأصوغُها  أمَلًا  وعشقــًا   مُحْتَمَلْ

الحبُّ   عــافيةُ  النّــفوسِ  ودفئِها
ما أروعَ القلبُ الحنونِ  وما افْتَعَلْ

لا شيءَ يشبهُ في الصّبابةِ سحرَها
تأتي على مهلٍ  وتمضي  في عَجَلْ

آهٍ  من  العينيــنِ حينَ   تقولُ  لي
آتٍ  وألمحُ  في جوانبهــا  الخَجَلْ

أستلهمُ   الرّمشَ    الذي   يغتالُني
وأذوبُ   بالنّبضِ  المُعَتَّقِ    بالغَزَلْ

وتحبُّني  الأشواقُ   مثل    فطيمةٍ 
سكرى  على ثغرِ القصيدةِ والجُمَلْ

في  النّظرةِ الأولى   حنينُ  لشوقهِ
في النّظرةِ الأخرى رحيقٌ من عَسَلْ

وإذا القصيـــدةُ   أغرقتكَ  بُحورُهَا
فاختمْ لنبضكَ بالقصيــدِ  ولا تَسَلْ

هذي  حروفي  بالجمــــالِ نسجتُهَا
ووهبتُهـــا    عقدًا   لقلبٍ    مُعْتَقَلْ

مِنْ  سائلِ النّجوى تَهــادت  فرحتي 
في  عشقها المختومِ حَلّقَْ واحتَفِلْ

غنّى   ربيـــعُ   القلبِ   سِـرَّ  غرامِنَا
حتّى  نَمــا  في  كلِّ   زاويةٍ   مَثَلْ

ما أجملَ الإبحــــار  عندكَ   سيّدي
مَدٌ   وجزرٌ   والقريــــنُ    المُرْتَسَلْ

ما أروعَ الأحلامُ   حينَ   يقـــودُهَا
قلبٌ  لهُ  في  كلِّ  شــــارقةٍ    أَمَلْ

 يا خافقي   يا نبضَ   كلِّ  صَبـــابةٍ
ما دامَ  يحضرُكَ  الحنيــنُ  فلا تَمَلْ

جُدْ   باللقـــا  إنَّ السّعـــادةَ  خطوةٌ
ما بين مَنْ  ملأ الفـــؤادَ ومَنْ خَزَلْ 

والحبُّ  مثل الشعرِ   يعشقُ   بحرَهُ
فإذا تَهادى  البَحرُ   فالشِّعرُ   اكْتَمَلْ

مرافئ الحنيـــن

05/02/2022

في العتبة:
 عنوان القصيدة تضمن اقتران النظير بالنظير فشكل التغاير  والاختلاف بين الانا والأنت تماهي وإمحاء مما أسّس كثرة وحدة او لوحدة كثرة وكأني بالذات قد تجزّأت إلى شطرين أحدهما الأنا و الآخر الغير المكمل للروح إذ به تجد ذاتها وتسترد اغترابها عن ذاتها فتكون هي ما هي رغم تضمنّها للغيرية، غيرية تمّحي في الانية لتكمل نقصها وتمكنها من استعادة ذاتها او من الكمال فهل أوفت القصيدة بما حُمّل في العنوان؟

في القصيدة:

الكتابة على الجمال حمل كبير يقتضي رساما يتقن غزل القصائد اللامية وما أنا إلاّ عاشق للجمال أحاول احتواء بعضا منه. نعم قصيدة قدّت على البحر المتكامل وكانت كاملة المعنى والمغنى والمبنى رغم التردد في رويها، كانت ثابتة القافية وذاك سرّ آخرا من أسرار جمالها. القصيدة فيض ذات، كشف عن الحديقة السرية بلغة راقية، عن مشاعر فاضت على الحروف وتغنت بها الروح وها هي ذا تنادي حبيبها بأن يُحدّث بمشاعره و يكشف عما يدفنه ويخفيه في من مشاعر جياشة، تأمره بأن يفتح لها قلبها ويبوح بمكنوناته علّ الجبل الفاصل بينهما يمّحي ويصير نسيانا بل تلح عليه بأن يسكن عيونها ليكون نور عينيها ووجهتهما فلا تزوغ بعد ولا تعطش . تقر الشاعرة بأنها كالقمر وهذا تشبيه ضمني تترقب الشمس أو تترقبه حبيبها لتألق وتزهر وتصير بدرا. إنها شعلة من النور والجمال وتلك الشعلة تحتاج إلى ريح تزيد لهيبها وتؤجج روحها وتزيدها بهاء.
طغت على القصيدة استعارات كثيرة تتحول في بعضها العين إلى بلد يُسرى إليه ويهاجر إليه وتعلمه أن الوصل الحقيقي هو الدائم الماكث على الدوام منتحلا في سيرورته سيرة الربيع وملامحه. إن اللقاء والوصل حسب الشاعرة يضمن استمرارية الربيع وسعادة لا متناهية ، لا حدّ لها، يضمن وجودا متوقّدا متأججا على الدوال أي على روح التوأمين ليتجلى هذا الحب في صورة الحب الأبدي الذي يتجاوز منطق اليوم المتعلق بالجسد ليكون روحيا وهو ما بدا جليا منذ العنوة إذ لم تقل توأم الجسد بل قالت توأم الربيع. مجنونة هي والجنون هنا إحالة إلى ما يقال عن الحب ، فكيوبيد المحب صديقه أعمى مما يجعل الحب أعمى يذهب بعيدا ويبلغ حدا قصيا ، حدّ الروح والكمال والمثال.

الشوق يغمر النفس والصبابة تؤرقها ، هنا تستحضر دوال الحب ومداليها في تنوعها علها تحيط بخفايا حدائقها السرية وتُيسّر الإفصاح عمّا أُحيط بها وعن صدق ذاتها فالشوق صار يفعل بالذات فعل الرمح بالجسد والربيع صار يدعوها وهي الفراشة العاشقة لروحه. 
يبدو أن العشق اشتد بذاتها وأخذ منها عظيما محلاة بأمل أن يكون ما تدعوه توأما مغرما ومتيما بها. في البيت التاسع تتحول من محبة تسرقها العاطفة ويؤججها الوجدان إلى عاشقة حكيمة لتخبر أن الحب حياة ودفئا للقلوب و أن من تُغرقه الصبابة في بحرها يغرق في لذة حتى أنها صارت لرؤياه تخجل بمعنى تضطرب ويحيق بها الخجل والخجل هو تجربة فلسفية نرمي من خلالها إلى الاعتراف ، اعتراف الأنا بغيرها وغيرها بها من أجل التعالي واثبات الكينونة واسترجاع الذات، حين تراه يغتالها رمشه تشرق في سكرات الحب، هنا تجسيد لما يسكن روحها من لوعة واشتياق ومن انفعالات استبدت بها وسكنت الروح والجسد ولا تجد مخرجا من شوقها ورؤياه إلا القصيد وما هذا القصيد إلا دلالة على ما تملكه شاعرتنا من قدرة على النحت والإبلاغ والكشف وترجمة لما في الذات من مشاعر وانفعالات بدت كالبركان في فيضه على الأرض او على القصيد، قصيد تُقده من قلب محب وترسله عقدا يزين جيد أو صدر المعشوق.
في الأبيات الأخيرة تخبره بأن الربيع علم بحبهما وبات يُخبر به ويترجمه. بدا الحبيب في القصيدة غير مدرك لما يسكن الذات المحبة من مشاعر تجاهه فهو شارقة الأمل والحياة بل والربيع لديها وبدا الشوق متجه من جهة واحدة لذا لعلها ما كتبت له رسالة ، من إمرأة عاشقة إلى غيرها لتؤكد جرأة المرأة وشجاعتها في مجتمع عربي مازال يعتبر تصريح إمرأة بحبها لشخص ما جريمة ، إنها تدعو الحبيب للوصل واللقاء وترى في ذلك مكمنا للسعادة اللامتناهية ذلك لأنها اختارته وهي الناقصة، اختارته كجزء أو الذات المكملة لروحها ليكون استرداد روحها وكمالها رهين وصل الحبيب ولقائه منتهية بحكمة تخبر فيها أن الشعر يعشق بحوره وإذا تبختر البحر في الأبيات اكتمل القصيد وهذا التمثل يتماهى والحب الذي يعشق بحر الانفعالات والشوق  والحنين وإذا أدرك ذاته بلغ الكمال بعد نقصان.
جميلة هذه الفسيفساء اللامية المحلاّة بالحب وبحقيقة روح تجاه روح أخرى ترى فيها كمال ذاتها ومنتهى غايتها .
استمتعت وأنا أقرأ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .

اقرأ بقلب سليم بقلم الراقية سناء سليمان

                   اقرا بقلب سليم  خواطرنا كلمات تبكي حالا مر علينا، عشناه بكل جوارحنا ،فراق بكيناه أو لقاء نتمناه أو صحبة نسعد برفقتها  هذه...