«««« قطار الزمن»»»»
خطوطٌ متوازيةٌ تعلو الجبال
أنتظرُ القطارَ يوميًا دون ملل
أراقبهُ من شرفة المنزل
وأرتشفُ قهوتي، كأنها تعيدُ ترتيبَ الصباح
يسابقُ الأيامَ نحوَ محطته
وأقطنُ على بُعد أمتارٍ من مساره
ألفتُ دمدمتهُ كالرعد
وألفتُ وجوهَ ركابهِ بين الغيمات
ألمحُ أحلامَهم من نظراتِ السماءِ
تحلّقُ، وتغيبُ في لحظاتِ الشقاء
أعيشُ همومهم من ميلِ رؤوسهم
على الأيدي، وأتساءلُ: هل عاد الجميع؟
وحين يعودون، أفرحُ لعودتهم
أعلمُ أنهم يسابقونَ إلى أحلامهم
لكنهم، في الحقيقة، يمضون نحوَ النهاية
محطتهم الأخيرة، حيثُ يسكتُ الكلام
مرت سنواتٌ، ولم أغير عادتي
في مراقبتهم واكتشافِ ذاتي
وفي صباحٍ مشرقٍ، رأيتُ القطار
قادمًا من بعيدٍ، يختفي بين الخراب
صوتُه العالي وضجيجُه المعتاد
لكنه، تلاشت ألوانُه، وتهالكَ وساد
تآكلت مقاعده، وذبلت نوافذه
وبانت تجاعيدُ الزمنِ في كلِّ راكبٍ
رأيتُ نفسي فيه، كأنه مرآتي
انقبضَ قلبي، فعدتُ إلى غُرفتي
أمام المرآة، رأيتُ وجهًا غريبًا
شاحبًا، رأسه أبيض، ومساره مستقيمٌ كالمسار
أهذا أنا؟ لا، لم أكن كذلكَ أبدًا
إنه شبيهي الذي كنتُ أراه مرارًا
لكني أسرعتُ إلى الشرفة لأنظرَ
علّي أجدُ صاحبي الذي قد تأخر
لكني لم أره، بل جلس مكانه شابٌ صغير
شابٌ في مقتبل العمر، يحملُ مصيره
عدتُ إلى المرآة، وأمعنتُ النظر
فرأيتُ صاحبي الذي كنتُ أبحثُ عنه كقدر
أتى إلى بيتي، ولم أعدْ أراه
فهل كان يُراقبني، كما كنتُ أراقبه؟
أسئلةٌ ملأت عقلي كالنهر، تفيضُ
لكن دون إجابة، والوقتُ يمضي بعيدًا
تذكرتُ ملامحَه يوم بدأ الطريق
تمنيتُ لو أن الزمنَ يمكنهُ أن يُعيق
كما توقف القطارُ في لحظةِ انتظار
يا ليتَ للزمنِ كوابحٌ، مثلُ القطار
«-«--رانيا عبدالله--» --»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .