بيت العنكبوت: ملحمة الضعف القوي
زياد دبور
في زوايا الوطنِ المنسيّ
تنسجُ العناكبُ أسرارَ البقاء
خيوطٌ من صبرٍ وحكمة
تسخرُ من صروحِ الطغاة
يقولون: "ما أوهى بيتَ العنكبوت"
وأنا أقول: بل ما أوهى عقولَكم
بيتُ العنكبوتِ يصمدُ في وجهِ الأعاصير
وعروشُكم من وهمٍ تتهاوى
أيها السادةُ في أبراجِكم العاجية
انزلوا وتأملوا في نسيجِ العنكبوت
درسٌ في الهندسةِ والفن والبقاء
يعجزُ عنه مهندسو أحلامِكم الكاذبة
في عصرِ الخطبِ الجوفاء
تنسجُ العنكبوتُ حقيقةَ الحياة
بصمتٍ تبني، وبحكمةٍ تصطاد
وأنتم بالشعاراتِ الرنانةِ تخدعون
يا من تدّعون القوةَ والجبروت
انظروا كيف تهزمُ العنكبوتُ فريستَها
بخيوطٍ أرقَّ من أحلامِ الفقراء
وأقوى من قبضةِ الديكتاتور
في زمنِ النفاقِ والرياء
تعلّموا من العنكبوتِ الصدق
تنسجُ شباكَها في وضحِ النهار
وأنتم تحيكون المؤامراتِ في الظلام
أيها المفتونون بالأبراجِ الشاهقة
تأملوا في تواضعِ بيتِ العنكبوت
يتحدى الجاذبيةَ والمنطق
بينما تتصدعُ إمبراطورياتُكم الوهمية
في عالمٍ يعبدُ القوةَ الغاشمة
تسخرُ العنكبوتُ من جبروتِكم
بخيطٍ رقيقٍ تهزمُ الرياح العاتية
وأنتم بجيوشِكم تخشون نسمةَ الحرية
وأنتم، يا من تدّعون الحكمة
انظروا إلى حكمةِ العنكبوتِ الصامتة
تبني وتعيدُ البناءَ بلا كلل
وأنتم عاجزون عن إصلاحِ ما أفسدتم
أيها الشعبُ النائم في غفلةٍ
استيقظ وتعلم من العنكبوت
كيف تنسجُ خيوطَ الحرية
من رحمِ اليأسِ والظلام
انظروا إلى سخريةِ القدرِ العظيم
حصونُكم المنيعةُ تتهاوى كأوراقِ الخريف
وجدرانُ قلاعِكم تتصدعُ مع كلِ نسمةِ حق
بينما يبقى بيتُ العنكبوتِ شامخًا، يتحدى الزمن
أيُّ قوةٍ في هذا الضعفِ المزعوم؟
وأيُّ ضعفٍ في تلك القوةِ المدَّعاة؟
الريحُ تعصفُ، فتسقطُ أسوارُ الظلم
ويبقى نسيجُ العنكبوتِ معلقًا، يسخرُ من غروركم
يا من تظنون أن القوةَ في العدد
وأن الكثرةَ تغلبُ الشجاعة
تأملوا في العنكبوتِ الوحيدة
كيف تهزمُ بقلتها جيوشَ الحشرات
في عالمٍ يعبدُ الحشود
ويسجدُ لأصنامِ الأرقام
تقف العنكبوتُ وحيدةً، قويةً بذاتها
تسخرُ من ضعفِكم المتخفي وراءَ الجموع
قلةُ العددِ عندها حكمةٌ وقوة
وكثرتُكم جهلٌ وغباء
خيطٌ واحدٌ منها يكفي
لفضحِ زيفِ إمبراطورياتِكم
هي ذي الحقيقةُ، أيها السادة
في ضعفِ العنكبوتِ قوةٌ تتحدى الزمن
وفي قوتِكم المزعومةِ ضعفٌ يتهاوى
مع كلِ نسمةِ حريةٍ تهبُ على الوطن
فانسجوا ما شئتم من شباكِ الخداع
واحبسوا الشعبَ في أقفاصِ الوهم
لكن تذكروا، أن خيطَ العنكبوتِ الواهي
سيكونُ الحبلَ الذي يشنقُ طغيانَكم
وإن عادوا وقالوا: "ما أوهى بيتَ العنكبوت"
فقل: بل ما أقوى درسَ الحياةِ فيه
فبيتُ العنكبوتِ باقٍ
وعروشُ الظلمِ إلى زوال
بقلمي زياد دبور