(إكليل)
(1)
لأني سراجُ انتظارِ
وكُرِّسْتُ قي قبَُّةِ الدَّير ..
أنْ أُبهجَ التَّائبينَ
وأنْ أغسِلَ الخاطئينَ.. بناري
وقُدِّرَ أنَّ دمي مُستبَاحٌ
لكلِّ القلوبِ التي مسَّها اللَّيلُ
كي تستنيرْ
لأني سراجُ انتظارٍ أخيرْ
(2)
لأني وحيدُ
يُهدِّدني في المساء الجليدُ
وزيتي يئِنُّ من البردِ والنّارِ في جانِبيهِ
وفكري شريدُ
والكون غافٍ على خُصلةِ الصَّمتِ والدِّفءِ
أجراسُه صَدِئتْ واستراحتْ
ولكنَّ قلبي المُعلَّقَ في كرمةِ العشقِ ليس ينامُ
وليس يجفُّ على شفتيه النَّشيدُ
(3)
سيأتي حَبيبي على مخمَلِ الغيمِ
حين يشاءُ
ليمسحَ خَدّي بماء السَّلامِ
ويُطلقَني من إسار اللَّهيبِ
إلى فلَكِ اللُّطف والنُّور
بين المجرَّاتِ
حين يشاءُ
وروحيَ مصلوبةٌ فوق هذا الجدارْ
على مِشعَلِ الانتظارْ
يسافرُ في حُلمها الإشتهاءُ
رويداً.......رويداً..
يُهدِهدُها الطَّلُّ عندَ الصَّباحِ
ويُرعشُها بالهديلِ المساءُ
(4)
وفي مَهْمهِ اللَّيلِ ..حيثُ المواويلُ تسَرحُ
والأمنياتُ.. تهاجرُ من عَصْفةِ الصَّحوِ ..
صوبَ الشِّمالْ..
وتنسجُ أعشاشَها في الظِّلالْ
أُجاهدُ أنْ أستريحَ قليلاً
وأُخفضَ طَرْفيَ كي لاتخافَ عُيونَ الرَّقيبِ
فهذي البيادرُ عامِرةٌ بالغِلالِ
البلابلُ مُثقلَةٌ باللُّباناتِ
والخوفُ مِقْصَلةٌ بينَ هُدبِ السَّنابلِ والبرْقِ
تُرعشُ حُمْرَ المناقيرِ
يالِلعصافيرِ
تَنبتُ دافئةً في المساماتِ
تحتَ اللِّحاءِ الطَّريِّ ..فيشهَقُ بين الضُّلوعِ العقيقُ
وتَنْدى كرومُ
وتَنسى النُّجومُ
مراجيحَها في الفضاءِ الفَسيحْ
إلى ظِلِّ ريحْ
ُيعرِّشُ في بَوْحها المستحيلُ
وتغفو على راحَتيها التُّخومُ
(5)
أَتذكرُ حينَ التقينا؟...
وتشرينُ نايٌ تُغازلهُ الرِّيحُ
خلفَ زُجاج النَّوافذِ.....
كُلُّ السَّتائرِ مُسدَلةُ الجَفنِ
إلاَّ ستائرَ قلبيَ.. مُشرَعةٌ للمواويلِ
والدِّفءُ كفَّاكَ .. أُبحرُ بين خُطوطِهما
في شِراع البُخورْ
إلى مَعبَدٍ من حريرٍ غريرْ
قرابينُه خمرةٌ بابليَّةْ
ومَذْبحُهُ مَجدَليَّةْ...
(6)
وفوقَ السِّياجِ المُسافرِ في الياسَمينْ
عيناكَ أيقونتانِ من الدَّمعِ ..مرصودتانْ
تُبيحُ الظِّلالُ سكونَهما..
كي تُرتِّلَ..أُنشودةً عن فراشةْ
أَحَبَّتْ ضياءَ السِّراجِ الحزينْ
وكلَّلَ عِطرُ الصَّلاةِ عناقَهما البِكْرَ
في قُبَّةِ الدَّيرْ
(7)
وأذكرُ أنّيَ أغمضْتُ عينيَّ
في عتمةِ الصُّبحِ فانْسلَّ طيفي إليكِ ..كنسمةِ صيفٍ..
وكنتِ تَئِنِّينَ محمومَةً كالسَّفرجلِ
والغيمُ يؤنسهُ البرقُ والرَّعدُ في عُمق نبضكِ
والعاصفاتْ..
تُقلِّبُ أغصانكِ الحانياتْ
كطفلٍ يُداعِبُ ألعابَهُ الحُمْرَ ليلةَ عيدْ
ويحنو إذا وقعتْ من يديهِ..
فَيحضُنها من جديدْ
وُيغمضُ عينيهِ في غفوةِ الدِّفءِ
حتَّى يجيءَ الرَّبيعُ
وتَسري شقائِقُهُ في الشّفاهِ الظَّميئةِ للحبِّ
َيختلجُ الرَّوضُ بالأُمنياتْ ...
والفجرُ مُهرٌ يجوبُ المروجَ الخجولةَ من سكرةِ الأمس ..
والطَّيرُ تُطلقُ أجراسها ..والحمامْ...
رفيفٌ يُظلِّلنا بالسَّلامْ
( تَعبتُ من السَّيرِ ...خلف السَّرابْ
أنا السِّندبادُ الغريبُ المُشرَّدُ من لحظةِ الصَّحوِ
خلفَ البحارْ..
أُفتِّش عن لحظةٍ لا تضيعُ
وعن جُزرٍ من لآلىءَ
ليس يمرُّ عليها الزَّمانُ ..وعُشَّاقُها خالدونْ
َشقِيتُ ...وأتعبني كلُّ هذا الجنونْ
سأرجِعُ.... قبلَ فواتِ الأوان
إلى لُعبةِ الزَّمن الدَّائرِ
وأجمعُ من لَهَثاتِ النَّهارِ
شموعاً و خمراً.. وخُصلةَ شعرٍ وإكليلَ غارِ
وأنتظرُ الَّليلَ حتَّى تعودَ فراشةُ قلبيَ
من مُدُنِ الثَّلجِ والخوفِ
أغمرُها بانتظاري
وأَنسى على جانِحيها.. انكساري
...
عصام يوسف حسن