قصة قصيرة
"كرموسوم ٤٧"
مر وقت طويل وهو مايزال يدور دون جدوى في سيارته بين هذه الأحياء.....
لقد أصر أن يقوم هو بنفسه على إتمام هذه المهمة رغم أنه الإجتماع الأول له معهم، مازال حديث العهد بعملهم وبمتطلباته، يتذكر جيدا مطلب الزعيم وتركيزه على تلك المواصفات المحددة..
(يجب أن يكون في يده اليمنى أو اليسرى أو كلاهما خط مستقيم ومتصل يقطعها بشكل عرضي.. والأهم أن يكون في عينيه بريق خاص يلاحظه كل من يراهما)
في تلك الإستدارة الأخيرة بين الشوارع الضيقة لاحظ باسم تلك الصغيرة بعيون لامعة تنطبق عليها بعض المواصفات، كانت تبدو في العاشرة من العمر، تقف قرب الشجرة وحيدة، ترجل من السيارة واتجه صوبها، ألقى عليها التحية، ردتها بأبتسامة بريئة، لاحظ بسرعة يديها فوجد ذلك الخط الذي أشار إليه زعيمه... تهللت أساريره ودنا منها أكثر وأخرج لها قطعة معدنية وقدمها لها قائلا..
-إنها لك، اشتري بها ماتشائين..
هزت رأسها بالنفي وأخبرته أنها تنتظر أخاها الذي ذهب قبل قليل ليشتري لها الحلوى.
حاول أن يستميلها لتذهب معه لكنها رفضت،
وبسرعة أخبرها أن أخاها هو من بعثه إليها ليختارا الحلوى معا..
أشرقت عيناها وابتسمت وغادرت معه المكان..
غير سرعته وضل يقود بسرعة كبيرة عندما لاحت على وجهها علامات الخوف، أخبرته مرات عديدة أنها تريد العودة إلى هناك، لكنه لم يجبها كان همه الوحيد أن يصل إلى المكان المحدد.
عندما وصل إلى المنزل لم يجد أحدا هناك، والطفلة بدت أكثر خوفاً وهي تلتفت يميناً ويسار تبحث عن أخيها، أصبحت تجر أطراف قميصه وتطلب منه أن يأخذها إليه لكنه كان منشغلا باتصاله..
مر بعض الوقت حتى وصلت تلك السيارة الكبيرة... دخل أولاً شخص تبدو عليه ملامح الرئاسة ثم تبعه عدة أشخاص آخرين، صاح بغضب هادر بعد أن تفرس ملامحها بذهول...
-من هذه الطفلة؟ من أين جئت بها!!
بثقة أجابه...
-إنها تحمل نفس المواصفات تماماً، أنظر إلى عينيها وذاك البريق المميز الذي ذكرته.
صرخ فيه وهو يضع يديه على رأسه..
هل أنت غبي؟!
ألم تلاحظ الفرق بين الطفل المنغولي والطفل الزوهري؟؟
إنها طفلة مريضة وليست كالتي أمرتك أن تحضرها لي...
بصوت متقطع أجابه وما الفرق فكلاهما طفل..
دنا الزعيم منه وهو يستشيط غضبا، بعثر العديد من الكراسي قائلاَ..
- ألا تعلم بأن الزوهريين كثيري الحظ.. فهم يملكون قدرات تستطيع أن تجعلهم حلقة الوصل بين عالم الإنس وعالم الجن وتحصل من خلالهم على كنوز عظيمة، أما هذه... وأشار بيده إلى تلك الخائفة المختبئة خلف باسم، إنها مجرد إنسان مريض، لايدرك شيئا ولا يمكنه أن يفهم يوماً..
ساد الصمت للحظات، كانت عيونه تتقد شراً، ثم خرج من المكان بعدما قال.. تخلص منها الآن، لا أريدها أن تعود إلى عائلتها، ربما ستنكشف مخططاتنا..
غادر الجميع المكان ماعدا شخصان كلفا بإتمام المهمة معه.. أشارا إليه أن يأخذها للخارج ليقوم بقتلها ..
شعر بغصة وهو يطالع دموعها، كان قلبه يعتصر وهو يسمعها تترجاه بكلمات نصف مفهومة أن يعيدها... تخبره بكل براءة أن أخاها مازال ينتظرها هناك ...
عادت به الذاكرة إلى الوراء، تذكر نظرات تلك الصغيرة من أيام طفولته التي كانت تسكن بالقرب منهم، والتي سقطت من أعلى الجرف دون أن يحرك ساكناً لإنقاذها ، ظل صراخها يتردد صداه في عقله فترة طويلة من الزمن.
بحركة خاطفة وجه ذلك المسدس نحوهما وأمسك الفتاة وأدخلها بسرعة إلى داخل السيارة وقادها بعيداً عنهما...
لم يكن يعلم مايفعل، لكنه يعلم جيدا خطورته.. توجه نحو ملجأه الوحيد، المنزل الريفي القديم وظل يقود طويلاً حتى وصل إلى هناك..
أعد لها بعض الطعام وأخبرها بهدوء إنه سيعيدها إلى عائلتها فابتسمت وهمست له بخجل أعلم ذلك...
تفاجأ منها وتساءل كيف استطاعت أن ترى الصدق في عينيه هذه المرة ! هل كانت تشعر بخداعي لها من قبل! هل فعلاً هم فئة معاقة كما يقال عنهم أم مجرد أشخاص مختلفون وأكثر حساسية منا؟
تناول بسرعة جهاز الحاسوب وأخذ يتصفح عن تلك الفئة الغريبة، التي تستطيع خرق النفس بكل سهولة، والتي يسميها الناس بأسماء بغيضة عديدة..ظهرت له العديد من المعلومات المختلفة..
(*متلازمة تحدث بسبب الأنقسام الغير طبيعي في الخلايا مما يؤدي إلى النسخ الكلي أو الجزئي في الكروموسوم 21
*جميع ألناس يحملون 46 كروموسوم في كل خلية جسدية وهم 47 كروموسوم ..
*لديهم ضعف بالقدرات الذهنية..
* ذقنهم وعيونهم صغيرة ورقبتهم كذلك .
* يحبون إخراج لسانهم لأن فمهم صغير ولا يسعه
*لديهم نقطاً بيضاء صغيرة على الحزء الملون| القزحية| من العين تدعى بقع بروشفيلد..)
ظل يتأملها طوال الأيام الثلاثة التي قضاها معها.. كيف تتكلم، كيف تتحرك وكيف ترسمه بعفوية ببعض الألوان المبعثرة أمامها ، تعجب كيف لطفلة صغيرة أن تغير قسوته وتستبدلها باللين.. لم يقض معها سوى بعض الوقت ماهو السر وراء هذه الهالة المشعة منها!!
خرج باكراً في الصباح متوجهاً معها إلى المكان الذي وجدها فيه.. في الطريق شعر بسيارة الزعيم تلاحقه، أسرع قدر ما استطاع ووصل هناك وظل يركض بها وهي تشير له إلى منزلها، وحالما أوصلها هناك شعر بحرارة تخترق جسده، خرج الجميع من منازلهم على أثار صوت الطلقات النارية، كان باسم يحتضنها وهو مضرج بدماءه، وكانت تحوط وجهه بيديها الصغيرتين..تفحص ملامحها جيداً وهو يهمس لها...
أنتِ لستِ مريضة بل أنتِ ساحرة وتصيبين الناس بسحر فريد.
من مسابقة شاركت بها سابقاً..
سميرة البهادلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .