في مملكةِ الحنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحُبُّ...
صَفْقَةٌ أُراهِنُ فيها بكُلِّ ما أَملِك،
وأنا أُدْرِكُ جيّدًا أنَّها صَفْقَةٌ خاسِرَة،
أَخوضُ غِمارَها بعِنادِ الأَطفال،
وأرتجفُ على أَطرافِها كَخَيْطٍ في مَهَبِّ الريح،
لكنَّني أَحْمِلُ في داخِلي أَمَلاً ساذَجًا،
أنَّ الخَسارَةَ في الحُبِّ قد تكونُ الرِّبْحَ الأَكْبَر.
الحَنينُ...
مِعْطَفٌ شَتَويٌّ ثَقيلٌ أَرْتَديهِ رَغْمًا عَنّي،
وأَسيرُ به حافيةَ الأَقدام،
تحت وَطْأَةِ شَمْسٍ صيفيّةٍ حارِقَة،
وأُحاوِلُ أن أُخْفي رَعْشَةَ القَلْب،
وأنا أَبْحَثُ عن وَجْهٍ بَيْنَ الزِّحام،
عن صَوْتٍ يُشْبِهُ ضَحْكَةَ الأُمَّهاتِ في أَزْمِنَةٍ مَضَت.
يا إلهي... كَم أَحِنُّ إِلَيْكَ في هذِهِ اللَّحْظَة!
إلى صَوْتِكَ الذي يُشْبِهُ جَمالَ النَّشيدِ الوَطَني،
إلى عِطْرِكَ الذي لَمْ يُداعِبْ أَنْفي قَطُّ،
لَكِنَّهُ يَسْكُنُ روحي كُلَّما أَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ،
إلى وَجْهِكَ الجَميلِ الذي يُشْبِهُ قِصَصًا،
كانَتْ تَرْويها لي أُمِّي عن الحَكاياتِ القَديمَة.
أَحِنُّ إِلَيْكَ، وكأنَّني أَحِنُّ إلى مَدينَةٍ لَمْ تَطَأْها قَدَماي،
إلى شَوارِعَ لا تَعْرِفُ خُطاي،
إلى حَديقَةٍ لَمْ تُزْهِرْ أَزْهارُها بَعْد،
ومَقاعِدَ خَشَبِيَّةٍ تَنْتَظِرُ عاشِقَيْنِ في مَساءٍ خَريفِي.
وَلِفَرْطِ ما أَحِنُّ لَكَ، أَشْعُرُ بأنَّ جيناتِ الحَنين
سَتَنْتَقِلُ عَبْرَ الوِراثَةِ لأَبنائي،
فَيَكْبُرونَ وهُم يَحِنّونَ لرَجُلٍ
لَمْ يَرَوا وَجْهَهُ قَطُّ،
ولَمْ يَسْمَعوا صَوْتَهُ،
لَكِنَّهُم سَيَحْمِلونَ في قُلوبِهِم أَوْجاعي،
وأَحْلامي المُعَلَّقَةَ بَيْنَ النُّجوم.
يا وَجَعي الجَميل...
يا نَبْضَ روحي المُتْعَب،
يا سِرَّ الوُجوهِ التي لا تُشْبِهُ وَجْهَكَ،
يا كُلَّ ما كان،
وكُلَّ ما سَيَكون،
كَمْ أَتُوقُ إلى لَحْظَةٍ تَلْتَقِي فيها عُيونُنا،
وتَذوبُ فيها كُلُّ المَسافاتِ بَيْنَنا،
لِنَكْتَشِفَ أنَّنا كُنّا نَعيشُ في عالَمَيْنِ مُتَوازِيَيْن،
ونَلْتَقِي في كُلِّ حُلُمٍ وكُلِّ سَطْرٍ مِنْ قَصِيدَة.
وفي النِّهاية،
أَعْلَمُ أنَّ الحَنينَ إِلَيْكَ هو قِصَّتي الأَبَدِيَّة،
وأَنْتَ الصَّفْقَةُ الخاسِرَةُ التي سَأَخْتارُها كُلَّ مَرَّة،
رَغْمَ عِلْمي بكُلِّ شَيء...
سَأَظَلُّ أَبْحَثُ عَنْكَ،
في حُروفِ الشِّعْر،
وفي لَيالي الشِّتاء الطَّويلَة،
وفي كُلِّ وَجْهٍ لا يُشْبِهُ وَجْهَكَ.
////رانيا عبدالله ////