اليتيــــــــم
مَن لِي باليتيمِ رِفقًا ورَحمَةً
ألَمَّت بِه آلامٌ سَرقَت بَسمَة عَينيه
قدّم لهُ الغيبُ بالمَوتِ يُتمًا
وصَاغَ بَين الأخُوَة أخبارًا تَأتيه
استغاظ القَلبُ لِحَالِه فَبَكَى
عَطفًا عَلَى الجُوعِ أَن يَحمِيه
وأنصَفهُ مِن ظلمِ الدَّهر
بِعِتابِ مَن قامَ يَشكِيه
ضَنَكُ الحَياةِ أوصَلهُ
لِمَن بَاتَ يَروح وبالحَنانِ يَأتِيه
لقد خَافَ إملاقا يُعَانِقُه
فيسألُ مَن بالجَوارِ يُنادِيه؟
الجُوعُ بَابٌ الفقرِ، جَوَّعَ
ألعَابَه فَسُقُطت مِن بَينِ يَدَيه
والحزنُ في عَينَيه مُجَسّدٌ
والجَسَد بَاليَ اللِّباسِ يُغَطيه
كم مِن عَطوفٍ تصَدّق بالبكاءِ
فَكانَ بُدلَ العَوزِ شُعورًا يُعطِيه
وكَم مِن شَهمٍ أسدَى لَه
غَرامَ البِرِّ والبُرِّ ، اللهُ يُجَازيه
اختارَ الموتُ إحدَى الوَالدَين
وتَرَكَ الخَدّ للمَدامِعِ تَسقِيه
مَشهَد الوَحدةِ مِرآة تعكسُ
خَلفيةَ الأهوَالِ بالبؤسِ تُناجِيه
ألبَسَتهُ جِراحُ النفسِ مَأتمًا
وَرَثُّ الشعورِ حِينا مِن الدَّهرِ يُعادِيه
والظُروفُ تروِي قِصَصا
تَجعَل الآلامَ سُقمًا لَيسَ يُداوِيه
يَمشِي وَراءَ أيِّ رَحيم يَحمِلُ عَنه
هُمومَ الفُرقَةِ كَحُضنٍ كانَ يَأويه
ويَدعو اللّه بِمَدحٍ يُقرّبَه
وبِهجَاءٍ عَن اللّغوِ يُثنِيه
يَبيتُ اللَيالِي يُراجِع هَواجِسَه
ويَعدُّ أثناءه خُطواتِ أمِّه وأبيه
قد غارَتِ الهمُومُ بِعُمقِ جِراحِه
وبَسماتِ الطفولةِ غابت عن فيه
هزيلُ الجَسمِ، شاحِبُ الوجه
كَأنه غُصنٌ تُعرَّى مِن مَراسِيه
إذا مَشَى تَمايَل مِن خِفّتِه
وتَحَامَل عَلى الرِيحِ تُجَاريه
وإن نَام، نَامَ مَفتوحَ العَينِ
مِن فَجعٍ فِي كَبدٍ رَطبٍ شَاوِيه
يَنفَطِر القلبُ ويتأسَى الفُؤادُ
مِن مَطرِ العيونِ أَذبَلَت مَعَانيه
يَصرخُ لِدَاءٍ سَكنَ مَا بَقِي
مِن العُمرِ، عَلى الدَّوامِ يُبكِيه
يتَذكرُ هَمسَاتٍ ولَو عَلَى الجُوعِِ
كَانَت غِذاءَ النفسِ مِن وَالِدَيه
صَار يُرسِلُ نَظراتِ الشّفقَة
تُحَرِكُ أغوَارَ القَلبِ فيَتكَرَم ليَكفِيه
ويُفرِحُهُ مِن زَفَراتٍ أعيَته
وشُدّت أحشَاءُه إلَى وَحشَةِ مُحِبّيه
تَنِمُّ عَن مَرحَمَةٍ بَين النّاسِ
تَسمُو بِأخلَاقِهم للخَيرِ تَبنِيه
عُرُوشٌ تَأوِي يَتامَى الرُّوحِ
وعَرشُهُ بألمِ الزَّماَنِ فَقدَ مَن فِيه
حُبٌّ مِن عَقيدةِ الغَنِي بِلا بَطَرٍ
عَلى اليَتيمِ جُزءٌ مِن المَالِ يُزَكِّيه
مَتَى تَقرَأُ النَفسُ مِن دِينِها
ألَّا تَجعَلَ البُخلَ يُفنِيها قَبلَ آن تُفنِيه
ومَتَى أرَى العَدلَ حَاكِمًا
يُنصِفُ المُستَغيثَ فيُعطِيه
الّلّهُ بِعَبدِه عَفُوٌّ كَريمٌ
والعبدُ بُحسنِ الظَّنِ فِي رَبّه يَهدِيه
بقلمي: دخان لحسن الجزائر
22. 01. 2024