النحلة والزهرة - ٤٧
بقلم الشاعر إبراهيم العمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفني النحلة عمرها القصير
تتنّقل في البراري والبساتين,
تلثم ثغر الزهور,
لا ترضى مكانا غير جبين الجبل
وصدر السهول,
لا تكلّ ولا تستريح
لتجني خلاصة الثغور,
لا تتذمّر ولا تستاء
لتجمع الدواء الشافي لكل داء,
وتصنع الأمل ليائسين
لا تعرفهم ولا تربطها بهم أيّة صلة,
قد يكونون من الناس الذين يكرهون النحل,
لسعة صغيرة تنهي حياة النحلة
ورغم ذلك فهي لا تتردد
في لسع من يقترب من الإكسير
الذي تمنحه دون مقابل.
أمثولة رائعة في التضحية والحب والعطاء,
عاشقة صغيرة بحجم النحلة,
عشيقة برية بحجم الزهرة,
كيف ولدت تلك العلاقة الحميمة بينهما؟
ما هو سر تلك اللثمة بين غريبين
يلتقيان بلمحة ويفترقان بلمحة؟.
تمضي الزهرة حياتها في الإنتظار,
وحياة النحلة لحظات تنّقل وعبور,
من زهرة الى زهرة,
لحظة لقاء لزهرة في كامل الجمال والأناقة والنضوج,
لمسة بين الثغور وينتهي اللقاء,
تنتهي القصة,
تنتهي حياة الزهرة,
وتنتهي حياة النحلة.
هل من الممكن أن يعيش النحل في بيئة ليس فيها زهور؟
هل من الممكن للزهور أن تنبت وتتكاثر وتنضج
تفوح بالعطر وتعبق بالعبير
دون تلك اللمسات السحرية
من تلك النحلات البرّية؟
ترى هل هناك, بين أبناء البشر,
من يحتذي بالنحل والزهر؟
هل هناك, من أبناء آدم وحواء,
من يمتلك تلك المقدرة
على التضحية والحب والعطاء؟.
إذا كانت المشاعر حقيقية
الكلمات سوف تكون صادقة,
وستقصد الخطوات الطريق الصحيح,
ستصل الى القلب
مثلما تصل النحلة الى الزهرة,
إذا كانت المشاعر حقيقية
العلاقات سوف ترتدي من خيوط النور,
ستتقيّد بالأنظمة والشرائع والقوانين,
سيعمّ الخير على العالمين,
سيتقلّص حجم المعاجم والقواميس,
سيتخلّص العالم من غالبية المعالجين النفسانيين,
ستغلق أكثرية معامل الأدوية والعقاقير.
هناك علاقات مميزة بين النحلة والزهرة والمكان والزمان,
هناك علاقات متينة ثابتة محددّة,
هناك تجاذب وأسرار ومراسيم وألوان ونكهات وعطور,
هناك تراكيب ونسب ومعايير وفلكلور
هناك دفء وتعاطف وملامسة وطنين,
هناك تزاوج وإرتعاش ومتعة ونشوة وحنين,
هناك إفرازات ومزج وتصنيع وتخزين
في علب مسدّسة من الشمع والمواد الحافظة
متطابقة في الشكل والحجم والمقاييس.
عالم متكامل في غاية الدقة والإتقان,
غير منظور وغير محسوس
لدى الغالبية العظمى من الكائنات.
تضحية بحجم الموت,
عطاء بحجم الحياة,
لقاء بعمر اللحظة,
إنتظار بعمر السنين,
فراق بحجم اليأس والضياع والعدم والفناء,
إكسير حلو المذاق
بطعم الصحة
ونكهة الإبتسامة
ولمسة الشفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم العمر