ماذا هناك لأحترق؟!..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
-أما_بعد..
وعلى قيد العتاب..
كنت أسوق إليك رسائلي المفعمة بالوجع..
حبرها الدموع..
وحروفها من دمي، من أول السطر..
إلى أن ينتهي النص..
وها أنا كبرت يا صديقي..
إلى ذلك الحد الذي لم أعد أهتم فيه لشيء..
حتى رسالتي الأخيرة هذه إليك، لم أخطها شوقا، ولا وجعا..
ولا اعتراضا، ولا امتعاضا..
أنا حتى ما سقتها على سبيل الشكوى..
ولم يدفعني الحنين..
إنما وددت أن أخبرك، أنني تطورت كثيرا بعدك..
ونضجت، حد ميل سنابل اللامبالاة امتلاءً..
أي نعم..
فها هو ذلك الاحتراق الذي خلّفتَه بداخلي ورحلت..
بلغ تمام الرماد..
هدأت العواصف كلها يا صديقي..
وعادت الأشياء إلى مسارها القديم..
وإلى صفاتها القديمة..
الغرفة..
والأرائك والسقف المظلم..
النوافذ والمنافذ والمطر..
العواصم..
والقواصم..
والمآتم..
والمرافئ والسفر..
وتلك الوحدة التي لا تنتهي..
والسكون..
و..
ووجهي..
ذلك الذي تلبسته يوما ملامحك..
أتعرف يا صديقي، عاد الآن لي..
أتعرف يا صديقي..
هدأت انفعالاتي..
وحماقاتي..
ورعونة مشاعري..
حتى ذلك الضجيج الذي كنت أمقته كثيرا، هدأ هو الآخر بداخلي..
أو ربما لم أعد آبه له، لذلك ما عدت أنزعج منه كما في السابق..
أو ربما لأني لم أعد أشعر به، فآثر الصمت قهرا..
لا يهم..
المهم أني كبرت يا صديقي..
واختفت الأحاديث المليئة بالشد والجذب، والخوف والحب..
فقدت بريقها الأول..
وباتت فارغة بلا معنى..
كأطلال قديمة هجرها أهلها ورحلوا..
لم تعد تلك اللفهة التي كانت تأخذني إليك في كل ليلة، آية..
وأمست أكذوبة فقدت الإعجاز..
أمست الأشياء بلا معنى..
وبات العتاب بلا معنى..
وأصبح الاحتراق بلا معنى..
وأضحت الدموع باردة بلا معنى..
وفرغت مضامين الكلمات..
بعد أن هجرها دفء البلاغة، وتنمَّرَ المجاز..
حتى الأغنيات يا صديقي..
لم تعد سحرا كما كانت..
ونفخة في الناي..
لم تعد إنجاز(ا)..
كبرت، فلم أعد أنبهر..
وتعلمت ألا أموت مرة أخرى، من أجل أن تبقى سالما..
وألا أرافق الذبول لتزدهر..
فمن أقصى هزائم البكاء، في كل ليلة..
حتى تمام انتصار الصمت..
انكسرت كثيرا وقمت..
خضت كثيرا من المعارك وحدي..
تعلمت كيف أنهزم بهدوء، وأنسحب بهدوء..
وأنحني بهدوء..
وأنزوي بهدوء..
وأذوي بهدوء..
وأبكي بهدوء..
ثم أعود..
ألم أخبرك بأني تطورت؟!..
أي نعم..
صرت أقبل بكل الأشياء التي لطالما رفضتها، وكرهتها..
وأنا أعلم تمام العلم أن الحياة خسارات كثيرة وبضع انتصارات تكاد خجلا ترتدي ثوب الهزيمة..
فلم تعد تغرني انتصاراتي المحدودة على أن أطمع ثانية..
لأخوض حربا أنا المهزوم فيها على الحالين، حتى وإن خرجت منتصرا..
فما فائدة الانتصار الذي يترك لنا الشقاء، ابنا شرعيا..
لا نستطيع إلى إسقاط نسبه الثابت سبيلا..
لنبوء بالخسران مآلا، ونتهم بالجحود والنكران..
ماذا سنجني أكثر، سوى المتاعب والمساغب والمحن؟!..
وتلك اللعنة في عيون العالمين تطاردنا كما شيطان..
تطورت كثيرا جدا..
أتعرف..
من قسوة الضرام حتى وداعة الــــــــ(ماشي)..
تعلمت جيدا كيف أجاهد صبوة الأحلام..
ونكسة الأيام..
وتنكر الوجوه..
وتغير القلوب..
ونقض العهد..
وإخلاف الوعد..
وفرية التلاقي..
تعلمت جيدا، ألا أتألم من رحيل الحزن في أغصاني..
أربعون دهرا من الرزايا، ولم أزل أتلاشى..
فهل آمل يوما في اخضرار ثان؟!..
كبرت يا صديقي..
فلم أعد أنزعج من قدوم الخريف، وتساقط الورق..
ماذا هنا لأخاف عليه؟!..
وقد سقط الجذع بكل ما يحمل..
وماذا هناك لأحترق؟!..
انتهى..
(نص موثق)..
النص تحت مقصلة النقد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي العابث..
كريم خيري العجيمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .