في سر الحياة
زياد دبور*
وسأل أحدهم: ما الحياة؟ وكيف نعيشها كما يجب أن تُعاش؟
فابتسم الحكيم وقال:
تقولون: الحياة مسيرة بين نقطتين.
وأنا أقول لكم: الحياة نسيج متشابك من اللحظات يُحاك في نول الزمن. في كل خيط منه تتراقص المتناقضات: الفرح يعانق الحزن، والألم يصافح السعادة.
تسعون إلى الكمال كما يسعى الظمآن إلى السراب في الصحراء.
وأنا أقول لكم: الكمال في عناق نقصكم كما تعانق الأرض شقوقها لتنبت منها الزهور.
تركضون وراء المادة كما يركض الظل وراء الشمس.
وأنا أقول: المادة ظل للروح، كالموج ظل للبحر. والذهب سجن من نور، يحبس فيه الإنسان روحه كطائر في قفص من ذهب.
تقولون: الفقر عدو الحياة.
وأنا أقول: من عرف غنى روحه، صار كالنبع - كلما أعطى ازداد فيضاً. في أكواخ الفقراء تجدون ضحكات كالينابيع النقية، وقلوباً كالحدائق البرية.
الصبر كشجرة الزيتون - مرّة المذاق، لكن ثمارها زيت يضيء العتمة. والتسامح كالنهر - يغسل الضفاف التي تؤذيه بالحجارة.
الوقت نهر من نور، والعمل صلاة تتجدد، والحياة معجزة تتكرر مع كل نَفَس. في كل لحظة نولد من جديد، كالفجر من رحم الليل.
وحين يأتي الموت، لا تحزنوا على من ترك وراءه بصمة من نور، وعطراً من خير. فالكريم كالشمس - حين تغيب لا يموت نورها، وكالشجرة المباركة - تموت واقفة، لكن ثمارها تبقى تُطعم.
في الطبيعة تكمن أسرار الحياة:
كونوا كالنهر - عميقين في صمتكم، سلسين في جريانكم
كالجبال - شامخين في تواضعكم، ثابتين في عواصفكم
كالأشجار - عطاؤكم مستمر، وجذوركم عميقة
كالبحر - تحتضنون كل الروافد، وتغسلون كل الجراح
كالسماء - تتسعون لكل الطيور، وتمطرون على كل الحقول
فالحياة ليست لغزاً يحتاج إلى حل، بل هي سر يتجلى في كل نَفَس، ومعجزة تتجدد مع كل نبضة قلب، وقصيدة تُكتب بحروف من نور على صفحات الزمن.
*. © زياد دبور ٢٠٢٥
جميع الحقوق محفوظة للكاتب