لأجلِ عَيْنَيْهِ
كُلَّ لَيْلَةٍ كَانَتْ تُنَادِي بِصَوْتٍ عَالٍ،
تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا وَتَدْعُوهُ لِيَلْتَهِمَهَا.
لَكِنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا،
وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى جَسَدِهَا الَّذِي تَأَجَّجَتْ فِيهِ النَّارُ.
كَانَ يَتْرُكُهَا وَيَذْهَبُ
لِلْمُخْتَبِئِينَ مِنْهُ، الْمَذْعُورِينَ الْمُرْتَجِفِينَ،
يَحْصُدُ أَرْوَاحاً بِلَا أَدْنَى شَفَقَةٍ.
لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ سِرَّ إِعْرَابِهِ عَنْهَا،
رَغْمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى فِيهِ الْخَلَاصَ.
كَانَ فِي عَيْنَيْهِ عَالَمٌ مِنَ الآمَالِ،
لَكِنَّ قَلْبَهُ كَانَ مَثْقَلًا بِأَعْبَاءِ أُخْرَى.
إِلَى أَنْ سَمِعَتْ تَمَاتُمَاتِ شَفَاهِهِ،
يَقُولُ بِضَعْفٍ:
"اللّهُمَّ اشْفِ أُمِّي، اللّهُمَّ احْفَظْ لِي أُمِّي."
كَانَ صَوْتُهُ يَحْمِلُ نِدَاءً يَشُقُّ أَعْمَاقَهَا،
وَيُوقِظُ فِي قَلْبِهَا مَشَاعِرَ كَانَتْ نَائِمَةً.
فَتَنَاوَلَتْ حَبَّةَ الدَّوَاءِ،
وَقَرَّرَتْ مُقَاوَمَةَ مَرَضِهَا،
وَتَشَبَّثَتْ بِالْحَيَاةِ لأَجْلِ عَيْنَيْهِ،
عَيْنَيْهِ الَّتِي كَانَتَا تَعْكِسَانِ كُلَّ مَا فَقَدَتْهُ،
وَتُعِيدَ لَهَا الأَمَلَ الَّذِي كَانَ يَغِيبُ.
عَادَتْ إِلَى نَفْسِهَا،
تَسْأَلُ: كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ أَكُونَ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ،
بَيْنَمَا هُوَ يَرْكُضُ بَعِيداً عَنْي؟
لَكِنَّهَا عَرَفَتْ فِي قَرَارَتِهَا
أَنَّ الْحُبَّ الْحَقيقِيَّ يَتَحَدَّى كُلَّ الْأَلَمِ،
وَيَزْرَعُ الأَمَلَ فِي قُلُوبِ الضُّعَفاء.
فَاسْتَدْعَتْ شَجَاعَتَهَا،
وَرَسَمَتْ لِنَفْسِهَا دَرْباً جَدِيداً،
حَيْثُ لَا مَكَانَ لِلضُّعْفِ،
بَلْ لِلْحَيَاةِ وَالْأَمَلِ،
لأَجْلِ عَيْنَيْهِ، عَيْنَيْهِ.
مقتبس ومعدل بقلمي ✍️ رانيا عبدالله