(هكذا حالي) - ( محمد رشاد محمود)
في مَطلــــع شــُـــتاء عـام 1980- بعــد عراك مع مُثبِّطاتٍ حالــت دون ولــوجي باريس بـالــقـطـار الـدولي الـذي كـــــان موجـودًا بالــعراق وقتَهــُــا ، لــم يكـــن أقلهــــا اعتقالي نكـــايةً بمـن يخـالــف توَجُّهــات الســـلطات حيال الســياســة الـدولـية - ألـقـت بي الأقدار إلـى غـرفَـةٍ في مأدبا بـالأردن ، لا تمنعُ بـردًا ولا تَصُدُّ هــواءً ، إذا فتَـحتَ بابهـــــا استَقبَلَك فضاءٌ أجرَدُ من الأرض يُفسحُ للـصِّرِّ في لـيالي الشــتاء مهـبَّاتِ صَولَـتِه ، وينتهُى بهـــضبَةٍ تأخذ بخـناق الأفق في مرأى الـعينِ ، إلا أنْ يُطِـلّ من ورائهـا بدرٌ شاحبٌ يُعينُ على النَّفسِ أتراحَهــا فإذا تقـدَّمَ الـشـــــتاءُ نثـرَ على الأرض الـشَّــــــبَمَ مُجَســــدا في رشـــاشِ الـثلـوج ، ورزوحًا تَحــتَ هــذه الـــحـال , مع مــا في الــنفـسِ من مَوجـدة كـانت هـذه العبرات :
في ظـــلامِ اللَّيـْــــــلِ يَنهَــــــلُّ الـمَطَـرْ
تَنــْـــعـقُ الـبــُــــومُ ويَـصـفَـرُّ الـــقَــمَــرْ
ويَئِــــزُّ الــــرَّعْـــدُ فـي جَـوفِ الـــفَـضَـا
لاجِمًـــا بالــــرِّيــحِ أعطـــافَ الـشَّــجَــرْ
هَـــكَـــــذا حالـي وذا قلــــبي الكئيـــبْ
لا أرَى في غُربَــتي لـــي مِنْ حبــيــــبْ
مَوطِنــــي نــَــــــاءٍ وأهــلــــي وهَـــوًى
كــانَ فيــــهِ الـعُمـْــرَ لي طِبٌّ وطِيـــبْ
غاضَ ِمِنـــــهُ الـخَفـضُ والـبِشـرُ مَعــــا
كَيــْــــفَ لا يَغلــي ويَكـــوي الأضْلُـعَــــا
كُــلَّــــــما جَرَّعـتُـــهُ كــــأسَ الـــرِّضَـــــا
غـصَّ حتَّـى كَـــــــــادَ أنْ يَنـصَدِعَــــــــا
مُوحـشٌ كــالــقَـبــــــرِ لا نَجـوَى بِـــــــهِ
أو كَــلَيــــــــــلٍ فـارَقَتُـــــــــهُ الأنـجُـــمُ
وفَــلاةٍ غَـــــــابَ عـنْهـــــــا عُشـــبُهَـــــا
وتَـلافـــاهَـــــــــا الــغُـــرابُ الأسْـــحَــمُ
يَــطلُـــبُ السَّـــرَّاءَ والـعَـيــشَ الـهَــــنِيّ
كَــيــْــفَ يَـجني الــــرَّوْمَ والّــضَّرَّاءُ فِيّ
تَمْـسَــــخُ الأنغَــــامَ نَــوحًـــــا وشَــجًـى
وتـــرَى الأشـــواكَ في الـرَّوضِ الـــنَّـدي
صُمَّـتِ الــحَـوبَــــــاءُ يــــا طَيْـــــرُ فَـــلا
تَسـكُبِ الألٕـحــــانَ لا يُـــجـدي الٕــطَّرَبْ
واســـتــطالَ الكَــــربُ لا تُفـضِ شَــــذًى
للــــرُّبــا يـــا زَهـــــرُ وارغَـــمْ لِلــحَطَـبْ
كُـــــلُّ ما كـــانَتْ تَشَـــهَّـــــــاهُ الـمُنَــــى
شَــوّهَـــــتْهُ اليَــــــومَ كَــــــفُّ الـمِحَـــنِ
إنْ غَفَــتْ بالــصَّبــْــرِ جَمـراتُ الـــجَـوَى
أيــقَــــظَ الـــجَمــْــراتِ كَـــــــرُّ الــــزَّمَنِ
ضِقْـــــتُ بـالشِّـــقْوَةِ والجُلَّــــى يَـــــــدا
لَيـــتَ شِــــعْــري مــــا تُرَى بَعـدَ الــرّدَى
مِثْلُــهَــــــــــــأ أم غِبــــطَةٌ تَغْتَـــالُــــهــــا
لَـهْـــفَ نَفْـســي لـَـــو تُلَـقَّاهـــــــا غَـــــدَا
(محمد رشاد محمود)