حَنَّتْ لِرَوْضِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتِي
وَاسْتَبْشَرَتْ بِلِقَائِهِ نَبَضَاتِي
وَسَرَتْ بِيَ الْأَشْوَاقُ قَبْلَ مَسِيرَتِي
فَغَدَوْتُ وَالأَشْوَاقُ فِي عَرَفَاتِ
حُجَّاجُ بَيْتِ اللَّهِ مِنْ أَوْزَارِهِمْ
غَسَلُوا الْقُلُوبَ بِأَنْهُرِ الْعَبَرَاتِ
نَادَوْا إِلَهًا وَاحِدًا وَجَمِيعُهُمْ
حَطُّوا الرِّحَالَ بِسَاحَةِ الْبَرَكَاتِ
عَرَفَاتُ يَحْضُنُهُمْ عَلَى عَرَصَاتِهِ
وَعَلَى الْمُحَيَّا بَسْمَةُ الْوَجَنَاتِ
صَلَّى وَسَلَّمَ لِلْمَلَايِينَ الَّتِي
لَبَّتْ، وَصَلَّتْ سَائِرَ الْفَلَوَاتِ
يَوْمٌ مَهِيبٌ بَارَكَتْهُ يَدُ السَّمَا
وَتَجَلَّتِ الْأَنْوَارُ فِي الْعَرَصَاتِ
عَرَفَاتُ يَغْشَاهُ الْجَلَالُ لِأَنَّهُ
حِضْنُ الْوُفُودِ وَمَوْرِدُ الرَّحَمَاتِ
لِلَّهِ مَا أَحْلَى الْوُقُوفَ بِسَاحِهِ
وَالْقَلْبُ يُشْرِقُ مِنْ ضِيَا النَّفَحَاتِ
وَتَرَى الدُّمُوعَ عَلَى الْخُدُودِ كَأَنَّهَا
سَيْلٌ تَفَجَّرَ مِنْ لَظَى الزَّفَرَاتِ
تُضْفِي عَلَى الْعَبْدِ الْمُؤَمِّلِ رَاحَةً
لِيَذُوقَ صَفْوَ حَلَاوَةِ الْعَبَرَاتِ
تَتَزَاحَمُ الرَّحَمَاتُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
وَتَفِيضُ بِالْخَطَرَاتِ وَالْآيَاتِ
رَغْمَ الْحُشُودِ فَكُلُّ قَلْبٍ نَاظِرٌ
لِلَّهِ مَجْمُوعٌ بِغَيْرِ شَتَاتِ
مُتَبَتِّلًا مُتَوَجِّهًا لِلَّهِ مِنْكَسْراً
يَرُومُ الْمَحْوَ لِلسَّوْءَاتِ
فَيَعِيشُ مَعْنَى الْقُرْبِ فِي لَحَظَاتِهِ
لِلَّهِ مَا أَحْلَاكِ مِنْ لَحَظَاتِ
وَإِذَا أَفَاضَ النَّاسُ بَعْدَ وُقُوفِهِمْ
نَزَلُوا بِمُزْدَلِفٍ عَلَى السَّاحَاتِ
نَامُوا عَلَى فُرُشِ الْحَصَى فَكَأَنَّهَا
مِنْ سُنْدُسِ الْفِرْدَوْسِ وَالْجَنَّاتِ
وَتَوَجَّهُوا بَعْدَ الْمَبِيتِ إِلَى مِنًى
زُمَرًا عَلَى الْأَقْدَامِ وَالصَّهْوَاتِ
نَثَرُوا دُمُوعَ الشَّوْقِ فِي مِحْرَابِهَا
رَفَعُوا الْأَكُفَّ بِأَطْيَبِ الدَّعَوَاتِ
ذَبَحُوا أَطَايِبَ هَدْيِهِمْ وَتَحَلَّلُوا
مِنْ بَعْدِ رَمْيِ كَبِيرَةِ الْجَمَرَاتِ
لِلَّهِ مَا أَحْلَى لَيَالِيهَا مِنًى
وَوَدِدْتُ فِيهَا لَوْ أَعِيشُ حَيَاتِي
سَأَكُونُ كَالْأَمْلَاكِ فَوْقَ رُبُوعِهَا
وَأَذُوقُ طَعْمَ الْأُنْسِ فِي سَجَدَاتِي
قَلْبِي هُنَاكَ مُعَلَّقٌ بِرُبُوعِهَا
يَا لَيْتَ حَوْلَ رُبُوعِهَا سَنَوَاتِي
طَافُوا الْإِفَاضَةَ وَالْوَدَاعَ وَغَادَرُوا
الْبَيْتَ الْحَرَامَ بِمَوْكِبِ الْحَسَنَاتِ
لِيَعُودَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ وُقُوفِهِ
كَالطِّفْلِ مَوْلُودًا بلاَ زَلَّاتِ
حَسَنَاتُهُ قَدْ أَثْقَلَتْ مِيزَانَهُ
وَعَلَتْ بِهِ فِي أَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ
مَلَأَتْ بِبَهْجَتِهَا سَمَاءَ فُؤَادِهِ
فَإِذَا بِهِ مُتَوَثِّبُ الْعَزِمَاتِ
فِي هِمَّةٍ مَوْصُولَةٍ بِاللَّهِ لَا
يَلْوِي عَلَى الْأَوْزَارِ وَالشَّهَوَاتِ
مَا عَادَ مِثْلَ الْأَمْسِ، لَيْسَ يُهِمُّهُ
سَيْرُ اللَّيَالِي وَانْقِضَا اللَّحَظَاتِ
بَلْ هَمُّهُ الْأَيَّامُ يَعْمُرُهَا التُّقَى
وَالذِّكْرُ عِبْرَ دَقَائِقِ الْأَوْقَاتِ
يَا رَبَّ بَلِّغْنَا بِفَضْلِكَ دَائِمًا
بَرْدَ الْوُقُوفِ بِسَاحَةِ الرَّحَمَاتِ
هائل الصرمي