ليل تحت الشمس
شعر : حسام الدين فكري
***************************
كُنت تقفُ بعيداً تحت مظلّتك
في مُنتصف بُقعة الظلّ المُظلمة
رأيتَهم وهم يفقأون أعين الحقيقة
ويسكبون فوقها الشمع الأحمر
فلا حرّكت ساكناً
ولا ألقمت الفراغ حرفاً واحداً
انطلقت تركض نحو بيتك هلعاً
أغلقت عليك بابك الخشبيّ
وعَصَبت رأسك بوشاحك الأخضر
الآن تلوذُ بالحائط الشرقيّ، في حجرتك
تجلسُ جنيناً، مُرسلاً بصرك عبر النافذة
صرتَ أسير ليلك، تقبعُ ساكناً داخل نفسك
في الخارج، نُجوم مُتفجرّة
كأنّها ألعاب نارية تملأ السماء
لها دويّ صاخب، يصُمّ الآذان
وضَعتَ راحتيك فوق أُذنيك، فراراً
لكن شيئاً من الراحة، لم يتسلل إلى جسدك
نزَعتَ يديك، ثم احتضنت بهما عينيك
لا شيء جديد، أشرعت الراحة مركب العِصيان
وأنت – جنيناً ما زلت –
في قلب الانتظار المُتفجّر الصاخب
طال بك الانتظار..ثم لا شيء أيضاً
قُلت لنفسك : ربّما هم على حق
ربّما يعلمون ما لا أعلم
كُنت ساذجاً غِريراً..فلم تعلم
أن العِلم لا يأتي من خلف الستائر المُسدلة
العِلم يقتحمُ النهار اقتحاماً
بصدره العاري وسرواله القصير
يغسلُ رأسه بأشعة الشمس
ويتدفّأ بضوء القمر المُنير !
.....................................
تجاوزتَ هلعك، وجدتَ لسانك
لكنك حين أردت النُطق
خرجت حروفك تتلوّى حول نفسها
لم يفهم منك الناسُ شيئاً !
بيديك المُرتعشتين رسَمتَ "لوحات إرشادية"
ثُم رُحت تزرعها في بِقاعٍ شتّى
على رأس الطريق المؤدي للمدينة، رشقت واحدة
وفوق الجسر الذي يتوسط المدينة
ويربط بين نصفيها المُختلفين تماماً
واحدة في أوّله، وواحدة في آخرهُ
وحين تطلّعت إلى لوحة الإعلانات الضخمة
التي نصبها أحد الأعيان، في قلب الميدان
ربطت وشاحك حول خاصرتك، وصعدتَ إليها
بعد عناءٍ يسيلُ عَرَقاً، رشّقتَ فوقها لوحتك
فلمّا هبطتَ أرضاً، أرسلت بصرك إليها تتأملها
جحظت عيناك، ودارت رأسك
لم تكن لوحتك أبداً !
في موقعها ذاته، لوحة أخرى، مُغايرة تماماً
عليها صورة شخصٍ ما، لا تعرفه
لكن آلاف الوجوه، ظلّت تتابع بسرعة البرق
حتى استقرت على وجه، تعرفه تماماً
قرد كثيف الشعر، يضع راحتيه فوق أُذنيه
ثُم فوق عينيه...
ثُم فوق أُذنيه...
ثُم فوق عينيه !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا ومرحبا بك في مدونة واحة الأدب والأشعار الراقية للنشر والتوثيق ... كن صادقا في حروفك ويدا معاونة لنا ... فنحن حريصين علي الجودة ونسعي جاهدين لحفظ ملكية النص .