(أنا والليل)
حَدَّثَنِي اللَّيْلُ …
قَالَ لِي وَهُوَ بِيَدِي
يَفْرُكُ جُفُونِي
مَا أَحْوَجَنَا لِرَاحَةٍ
لِرِحْلَةٍ مُرِيحَةٍ
قُلْتُ لَهُ يَا لَيْلُ
أَنَا فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ ..
لِمَنْ يَسْمَعُنِي
قَالَ لِي وَهُوَ بِيَدِهِ
يُغَطِّينِي: نَامِي..
وَتَكْتُمِي عَنْ كُلِّ أَمْرٍ
قَدْ يُحْرِقُ شُمُوعَ الْعُمْرِ
يَا لَيْلُ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ ..
لِمَنْ يُسْرِعُ بِي
فَالطَّرِيقُ أَمَامِي جِدًّا شَاقَّةٌ ..
نَامِي ..
وَدَعِي عَنْكِ تَقَدُّمَ هَذَا الْعَالَمِ
فَأَنْتِ ابْنَةُ زَمَنٍ قَدْ مَرَّ
وَقَدْ تَحْرِقُكِ الشُّهُبُ الْمُتَطَايِرَةُ
يَا لَيْلُ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِرُوحٍ قَوِيَّةٍ
تَحْمِلُنِي عَالِيًا ..
وَبَيْنَ أَهَالِي السَّمَاءِ تَضَعُنِي
نَامِي ..
وَلَا تَجْعَلِي الْحُلْمَ
يَقْتَحِمُ حُدُودَ الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ
يَا لَيْلُ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَبْنِي
لِي بَيْتًا فِي أَعَالِي الْقِمَمِ
نَامِي..
لَا تَحْمِلِي هَمَّ
مَنْ يَتَخَبَّطُ فِي الْيَمِّ
حَتَّى وَهُوَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ
يَا لَيْلُ..
نَمْ بِجَانِبِي ..
وَاسْتُرْ عُيُوبِي
لِأُغْمِضَ جُفُونِي ..
وَلَا أَرَى مِنْ خَلْفِي
ذُرِّيَّةً عَلَى الضِّفَافِ
تَنْتَظِرُ قَوَارِبَ النَّجَاةِ
إِنِّي أَرَى أَبْنَائِي عَلَى الْحُدُودِ
يَحْمِلُونَ بَطَاقَةَ هُوِيَّةٍ مُزَوَّرَةٍ
لِيَمُرُّوا لِلضِّفَّةِ الْمُحَادِيَةِ
لَيْلُهَا نَهَارٌ وَنَهَارُهَا غُبَارٌ
نَامِي..
قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ الِاقْتِحَامُ
وَتَبْدَأَ الْأَرْقَامُ فِي الْعَدِّ الْعَكْسِيِّ
فَلَا أَنْتِ وَلَا أَنَا سَاعَتَهَا
سَيَبْقَى لَنَا اسْمٌ
يَا لَيْلُ..
سَأُغْمِضُ عَيْنِي الْيُمْنَى
وَأَتْرُكُ الْيُسْرَى تَسْعَى
تُقَلِّبُ أَوْرَاقَ التَّارِيخِ
لَعَلِّي أَجِدُ مَا يُخْرِجُنَا
مِنْ هَذَا الضِّيقِ ..
نَامِي..
وَلَا تَتَكَلَّمِي فَمَا عَادَ التَّارِيخُ
بِقَادِرٍ أَنْ يُسَجِّلَ أَسْمَاءً
فِي سَمَاءِ الْحَقِّ تُحَلِّقُ
يَا لَيْلُ..
أَنَا اسْمِي مَعْرُوفٌ
وَالْكُلُّ يَشْهَدُ لِي
فَأَنَا مِنْ أَصْلِ حَاتِمِ الطَّائِيِّ
مِنْ أَبٍ دِمَشْقِيٍّ
أَيَّامِ الْعَهْدِ الْحَجَرِيِّ
وَجَدٍّ حَبَشِيٍّ قَوِيِّ الْبُنْيَةِ
أُمُّهُ غَجَرِيَّةُ الْأَصْلِ
طَوِيلَةُ الشَّعْرِ
فَاتِنَةُ الْقَدِّ
نَامِي ..
وَدَعِي عَنْكِ عِبْءَ الْمَاضِي
يَا لَيْلُ..
ابْنِي ابْنَ الْمُسْتَقْبَلِ الْآتي
أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّ أَجْنَبِيَّةً
تُجِيدُ كُلَّ اللُّغَاتِ الْعَالَمِيَّةِ
إِلَّا اللُّغَةَ الرَّسْمِيَّةَ
فَكَيْفَ سَيَتِمُّ بَيْنَنَا التَّفَاهُمُ
نَامِي ..
فَالْعِلْمُ نُورٌ وَالْجَهْلُ عَارٌ
يَا لَيْلُ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ يُعَلِّمُنِي
فَأَنَا لَا أَعْرِفُ إِلَّا اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ
نَامِي..
وَرَدِّدِي بِهَا أَدْعِيَةً
يَا لَيْلُ..
وَصَلَتْنِي رِسَالَةٌ
اسْتِعْجَالِيَّةٌ
لِحُضُورِ حَفْلِ زِفَافِ ابْنَتِي
سَتَتَزَوَّجُ بِشَخْصِيَّةٍ غَنِيَّةٍ
وَسَتُقِيمُ حَفْلَ زِفَافٍ
فِي أَكْبَرِ الْفَنَادِقِ الْعَالَمِيَّةِ
فَوْقَ أَرْضٍ أَبِيَّةٍ
أَهْلُهَا يَتَكَلَّمُونَ بِالْعِبْرِيَّةِ
وَأَنَا لَا أَعْرِفُ إِلَّا الْعَرَبِيَّةَ
أُخْتِي الصُّغْرَى
سَتُنْجِبُ مَوْلُودًا هَذِهِ السَّنَةَ
مِنْ أَبٍ لَهُ سَنَوَاتٌ وَهُوَ
خَارِجٌ عَنِ الْوَعْيِ
يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ لِجِنِيَّةٍ
تُسَلِّمُهُ كُلَّ مَفَاتِيحِ الدُّنْيَا
أُمِّي وَأَنْت أَعْلَمُ
مَا مَعْنَى الْأُمِّ
فَهِيَ بَيْنَ السُّجُونِ الْأَثَرِيَّةِ
تَرْسُمُ عَلَى الْجِدَارِ
مَلَامِحَ إِخْوَتِي الصِّغَارِ
خَرَجُوا لِيُحَقِّقُوا الِانْتِصَارَ
فَمَا عَادُوا إِلَيْهَا حَتَّى الْآنَ
وَهِيَ الْآنَ قَلْبُهَا يَتَقَطَّعُ
فَقَالَ لِي بِهُدُوءٍ تَامٍ
مَا أَحْوَجَنَا لِنَوْمَةٍ عَارِمَةٍ
قُلْتُ لَهُ بِهُدُوءٍ تَامٍ
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ يَصْفَعُنِي
نَامِي..
فَكُلُّ الأَيْدِي كُبِّلَتْ
يَا لَيْلُ ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ
يُسَجِّلُ اسْمِي
نَامِي ..
فَكُلُّ الأَقْلَامِ جَفَّتْ
يَا لَيْلُ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ يُعِيدُنِي
إِلَى نَفْسِي بِقِيَمٍ
نَامِي..
فَكُلُّ الأَشْرِعَةِ مُزِّقَتْ
يَا لَيْلُ ..
أَنَا فِي حَاجَةٍ لِمَنْ يُوَاسِينِي
نَامِي..
حَتَّى الأَحْلَامِ لِلأَسَفِ نَامَتْ
إِذًا لَا تَجْعَلْنِي أَنَامُ
قَبْلَ أَنْ أَضَعَ نُقْطَةَ الِخْتَامِ
فَقَامَ مِنْ جَانِبِي
وَرَفَعَ عَنِّي السِّتَارَ
وَقَالَ
لَا اللَّيْلُ وَلَا النَّهَارُ
سَيَلْتَقِيَانِ.!
لَا يَا لَيْلُ..
سَيَلْتَقِيَانِ لَكِنْ
فِي الْمَنَامِ
فَكَيْفَ لَا أَنَامُ
أَنَا فِي حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ
لِمَنْ نَامَ مِنْ قَبْلِي
لِنَبْقَى أَنَا وَالْقِيَمُ
فِي سَهَرٍ فَلَا حَاجَةَ
لِي كَي أَنَامَ..!!
لَيْلَى كُو